الرسالة المحمدية

سليمان الندوي ت. 1373 هجري
168

الرسالة المحمدية

الناشر

دار ابن كثير

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٣ هـ

مكان النشر

دمشق

تصانيف

أسيرا بأيدي المسلمين، وثبتت عليه جرائمه، فخلّى النبيّ ﷺ سبيله، ولم يمسه بسوء. وكان صفوان بن أمية «١» لما تامر مع عمير بن وهب على حياة النبي ﷺ، وحرّض عميرا على إتمام هذه الجريمة تعهّد لعمير بأن يعول عياله، ويقضي عنه ديونه لو أنه هلك في هذه المغامرة، فلما فتح الله مكة للنّبيّ ﷺ فرّ صفوان هاربا من مكة إلى جدة ليركب منها البحر إلى اليمن، فجاء عمير إلى النبيّ ﷺ يخبره بذلك، فأعطاه النبي ﷺ الأمان لصفوان، فطلب عمير من النبي ﷺ أمارة على أمان صفوان فأعطاه عمامته، فلما لقي عمير صفوان، وألحّ عليه بالرّجوع أبدى له الخوف على نفسه، فذكّره عمير بما كان من النبيّ ﷺ لما وقع في أسر المسلمين، وحدّثه بما جبل عليه النبيّ ﷺ من كرم النفس، وسعة الصّدر، وسجاحة الخلق، وعظيم العفو، فانقاد له صفوان، وذهب إلى المدينة، فلما حضر مجلس النبي ﷺ؛ قال له: بلغني أنّك قد أعطيتني الأمان، فهل هذا حقّ؟ فأجابه ﷺ: نعم. فقال للنبيّ ﷺ: لست داخلا بيتك حتى تمهلني شهرين، فأجابه: لقد أمهلتك أربعة أشهر. ولم تنقض تلك المدة حتى صلح حال صفوان، وتغيّر قلبه، ودخل في الإسلام. ولما فتح رسول الله ﷺ خيبر معقل اليهود العظيم، وحصنهم المنيع، صنعت يهودية طعاما ودعت إليه النّبي ﷺ، فأجاب دعوتها: فقدّمت له لحما مسموما، فلما تناول منه؛ أعلمه الله بذلك، فأمسك يده عنه، ودعا باليهودية، فسألها عن الشاة المسمومة، فاعترفت بجريمتها، وقد بلغ من حلم رسول الله ﷺ أن تجاوز عنها ولم يؤاخذها على ذلك بسوء، وبقي مدة حياته ﷺ يشعر بأثر ذلك السّم. وتقدّم آنفا أنّ الرسول ﷺ عند منصرفه من نجد استظلّ في الهاجرة

(١) هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحي، صحابي، فصيح، جواد، كان من أشراف قريش في الجاهلية والإسلام، أسلم بعد الفتح، وكان من المؤلفة قلوبهم، شهد اليرموك، وتوفي بمكة سنة ٤١ هـ وله ١٣ حديثا مرويا.

1 / 168