الرسل والرسالات
الناشر
مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع،الكويت،دار النفائس للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الرابعة
سنة النشر
١٤١٠ هـ - ١٩٨٩ م
مكان النشر
الكويت
تصانيف
قال: " الرسالة ضرورية للعباد، لا بدَّ لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأيُّ صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة، وهو من الأموات، قال الله تعالى: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النَّاس كمن مَّثله في الظُّلمات ليس بخارجٍ منها) [الأنعام: ١٢٢]، فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأمّا الكافر فميت القلب في الظلمات ".
وبين رحمه الله تعالى: " أن الله سمّى رسالته روحًا، والروح إذا عدم فقدت الحياة، قال الله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نَّهدي به من نَّشاء من عبادنا) [الشورى: ٥٢]، فذكر هنا الأصلين، وهما: الروح، والنور، فالروح الحياة، والنور النور " وبين رحمه الله تعالى: " أن الله يضرب الأمثال للوحي الذي أنزله حياة للقلوب ونورًا لها بالماء الذي ينزله من السماء حياة للأرض، وبالنَّار التي يحصل بها النور، وهذا كما في قوله تعالى: (أنزل من السَّماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السَّيل زبدًا رَّابيًا وممَّا يوقدون عليه في النَّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب الله الحقَّ والباطل فأمَّا الزَّبد فيذهب جفاءً وأمَّا ما ينفع النَّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) [الرعد: ١٧] .
يقول شيخ الإسلام ﵀ معقبًا على الآية: " فشبه العلم بالماء المنزل من السماء لأن به حياة القلوب، كما أنَّ بالماء حياة الأبدان، وشبّه القلوب بالأودية، لأنّها محلّ العلم، كما أنَّ الأودية محل الماء، فقلب يسع علمًا كثيرًا، وواد يسع ماءً كثيرًا، وقلب يسع علمًا قليلًا، وواد يسع ماءً قليلًا، وأخبر تعالى أنَّه يعلو على السيل من الزبد بسبب مخالطة الماء، وأنّه يذهب جفاءً، أي: يرمى به، ويخفى، والذي ينفع الناس يمكث في الأرض ويستقر،
1 / 32