أولًا النظم:
وقف الإمام قبل أن يرسي قواعد النظم ويحدد معالم الصورة موقف الباحث الدقيق، والناقد الذواقة الأديب، من أنصار اللفظ، وأنصار المعنى ليضع الأساس الثالث وهو النظم ويفند ما انتهى إليه السابقون حيث قالوا: "إنه ليس إلا المعنى واللفظ ولا ثالث١ فبين موقف من المعنى على حدة، ثم اللفظ على حدة، ليسلم له الأساس الفني الدقيق في الصورة وهو النظم. وما تلجلج الإمام في موقفه من كل من اللفظ والمعنى، قبل أن يستقر في النهاية إلى قضيته كما زعم بعض المعاصرين٢. ولكن الرجل على عادته، كان يهدم جزءًا جزءًا وقبل أن يهدم يحدد الخصائص اللازمة للفظ على انفراد، وكذلك المعنى، فيحدد صفات اللفظ البليغ، ويتخير منه ويعلي من قدره منفردًا على المعنى ثم في موطن آخر يبرز سمات المعنى ويعلي من شأنه منفردًا فإذا انتهى إلى النظم، لم يعط الميزة للفظ وحده حتى يفضل المعنى، ولا يمنح الدرجة للمعنى حتى يسمو على اللفظ، فلا هذا ولا ذاك، وإنما الفضل الحق أن يكون للثالث وهو النظم وكفى٣، فالإمام أعطى لكل حقه على انفراد، ولا قيمة لكل منهما وحده في الصورة وإنما يستحقان هذه القيمة. بل أكثر منهما، إذا ارتبطا بالنظم وهو وحده له القيمة الكبرى في الصورة الأدبية، فأما سمات اللفظ عنده، والخصائص التي ينبغي أن تكون فيه هي كما يقول: "أن اللفظة ما يتعارفه الناس في استعمالهم، ويتداولونه في زمانهم، ولا يكون وحشيًّا غريبًا، أو عاميًّا سخيفًا
_________
١ دلائل الإعجاز: عبد القاهر ص٤٢٥ تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي.
٢ د. محمد خلف الله أحمد في كتابه "الوجهة النفسية" ص١١٣، وعز الدين إسماعيل في الأسس الجمالية في النقد العربي.
٣ أسرار البلاغة: عبد القاهر الفاتحة ص٣ تحقيق السيد محمد رشيد رضا.
1 / 59