وتنسيقها وترتيبها، وانتظامها، وعلاقة بعضها ببعض، سر من أسرار الله وأمر لا يعلمه، إلا هو ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ .
وكذلك الأمر بالعكس حين اختلاف الألفاظ يضعف المعنى ويسقط؛ لأنه لا يعقل أن يكون في الحياة النافعة جسد بدون روح، ولا روح بدون جسد ألبتة، يقول: "فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتًا لا فائدة فيه، وإن كان حسن الطلاوة في السمع، كما أن الميت لم ينقص من شخصه شيء في رأس العين إلا أنه لا ينتفع به، ولا يفيد فائدة، وكذلك إن اختل اللفظ جملة، وتلاشى لم يصح له معنى؛ لأنا لا نجد روحًا في غير جسم البتة١.
ولهذا يرى الناقد الأدبي، أن الجمال لا يكون إلا في النظم، لا في اللفظ وحده، ولا في المعنى وحده، ويترتب على ذلك أن تكون الصورة الشعرية، في العلاقة التي تتم بين الألفاظ. وتكشف عن المعنى والمضمون المستقيم الصحيح. ويزداد تمسكًا بهذه الحقيقة النقدية الخالدة، وما انتهى إليه من جديد في فهم طبيعة اللغة والشعر حينما لم يقتنع بآراء السابقين من أنصار اللفظ مستقلًّا، وهم كثيرون وأنصار المعنى كذلك وإن كانوا قلة، وذكر رأيه أولًا، وطرح أقوالهم بقوله:
"وللناس فيما بعد آراء ومذاهب". ثم يلقب على اتجاه ابن هاني، في عنايته بالجلبة والصخب في اللفظ، بدون كبير معنى، وينفي عنه الجودة ويرميه بالفساد يقول معقبًا: "وليس تحت هذا كله إلا الفساد، وخلاف المراد" وإن حكم له بجودة هذا البيت حين يصف شجاعًا فيقول:
لا يأكل السرجان شلو عقيرهم ... مما عليه من القنا المتكسر
_________
١ العمدة: ابن رشيق ج١ ص١٢٥.
1 / 54