الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون العدد (١١٢) ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
تصانيف
هذه الخدعة التي حيكت ونقلتها المصادر العربية باطلة من وجهة نظري؛ فهي مبنية على احتمال أن اليون كان مصاحبًا لمسلمة حتى وصل القسطنطينية، ثم دخل المدينة واتفقوا على تنصيبه امبراطورًا، وحتى يثبت ولاءه لهم قام بهذه الخدعة، وهي سرقة طعام المسلمين وعلوفاتهم، وقد سبق أن رجحنا رواية ابن عساكر التي تنقل عن شاهد عيان تحدث أن اليون كان ينظم قواته داخل أسوار القسطنطينية وقت وصول المسلمين إليها، وتبين لمسلمة ومن معه حينئذ موقف اليون الغادر فأصابتهم كآبة وهم عظيم، لما رأوا من مخادعته وخيانته، فهل يا ترى يسوغ والحال ما ذكر أن يخرج إليهم ويقابل مسلمة ويخدعه مرة أخرى؟!! هذا أمر، وأمر آخر؛ حتى على افتراض أن ما ذكرته تلك المصادر كان صحيحًا، وهو أن اليون ما دخل القسطنطينية إلا بعد وصول مسلمة، فهل ما ذُكر من تبرير من أجل أن يتنحى المسلمون في بعض الرساتيق، حتى يطمئن أهل القسطنطينية (بأن أمري وأمرك واحد) يعتبر تبريرًا معقولًا يمكن أن يصدقه مسلمة ورجاله، أم هو كلام بارد لا يمكن أن يجوز على أقل الناس عقلًا!!، وأمر ثالث وهو أن المصادر البيزنطية لم تشر إلى حادثة سرقة الطعام، أو إحراقه من قريب أو بعيد، ولم تذكر ذلك مطلقًا ١، ولو أن شيئًا من هذا القبيل حدث لهللت له وأبرزته وأضافته إلى مواهب اليون التي وقفت عندها كثيرًا.
وكذا الرواية الأخرى التي مفادها أن اليون أشار على مسلمة بحرق ما معه من الطعام حتى يتحقق أهل القسطنطينية العزم منه على حربهم ومناجزتهم، فيعطوا بأيديهم، فأحرقه ٢، فهي رواية متهافتة يراد بها الحط من قدر مسلمة؛
_________
١ فرج، العلاقات.. ص ١٥٥.
٢ تاريخ الطبري ٦/٥٣١، والعيون والحدائق ص ٢٩.
1 / 470