وتحريف للكلم عن مواضعه، وما ندري كيف يستجيز - من يعلم أن وعد الله حق - مثل هذا في القرآن وفي دين الله تعالى؟ ونعوذ بالله من الضلال. (^١)
هـ - إن أدلة القرآن لا تؤخذ بحسب ما يعطيه العقل فيها؛ لما في ذلك من الفساد الكبير، والخروج عن مقصود الشارع؛ بل تؤخذ بحسب ما يفهم من طريق الوضع. (^٢)
٢ - إن هذا مذهب ابن عمر وابن عباس المروي عنهم ﵃ (^٣)، ولا مخالف لهما في الصحابة (^٤)، ومثل هذا الحكم لا يكون من تلقاء أنفسهم.
ونوقش بما يأتي: أ- إن من أوجب الفدية من السلف على الحامل والمرضع؛ لم يوجب عليهما القضاء؛ لأن إيجاب القضاء مع الفدية مخالف لمقتضى الآية وموجَبها؛ إذ الفدية ما قام مقام الشيء؛ كقوله تعالى: ﴿وَفَدْيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمِ﴾ [سورة الصافات: ١٠٧]؛ يعني: أقمناه مقامه في الذبح، وقوله: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكِ﴾ [سورة البقرة: ١٩٦]؛ أي: قائم مقام الحلق حتى يصير كأنه لم يكن، والإطعام فدية قائمة مقام الصوم، ولما كان هذا مقتضى استقراء الفداء في نصوص الشريعة امتنع الجمع بين القضاء والكفارة؛ لأننا متى أوجبنا القضاء لم يكن الإطعام فدية، ويؤيده أن الجمع بينهما لم يشتهر عن واحد من الصحابة. (^٥)
ب - إن من غير الجائز أن تكون الآية في المرضع؛ لما في سياقها من أنها لم تُرَدْ بها، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [سورة البقرة: ١٨٤]، والمرضع لا تخلو من أن يضر صومهما بالولد أو لا يضر؛ فإن لم يضر؛ لم يجز لها الإفطار، وإن كان يضر بالولد؛ لم يكن الصيام خيرًا لها، والآية وردت فيمن إذا صام كان الصوم خيرًا له من تركه، فعلمنا أنه لم يرد بها المرضع. (^٦)
(^١) ينظر: المحلى: المصدر السابق، (٦/ ٣١٢). (^٢) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٣٩). (^٣) ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (٤/ ٢١٦ - ٢١٩). أبو داود: المصدر السابق، (٤/ ٢٦١ - ٢٦٢). ابن جرير: المصدر السابق، (٣/ ١٦١، وما بعدها). ابن حزم: المصدر السابق، (٦/ ٣١١). (^٤) ينظر: ابن قدامة: المصدر السابق، (٤/ ٣٩٤). البهوتي: المصدر السابق، (٥/ ٢٣٢). (^٥) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٢/ ٤٣٨ - ٤٣٩). السرخسي: المصدر السابق، (٣/ ٩٩). (^٦) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٢/ ٤٣٩).
1 / 90