مسألة بطلان الصلاة بتغيير الآيات في القراءة - ضمن «آثار المعلمي»
محقق
محمد عزير شمس
الناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٤ هـ
تصانيف
الرسالة الثالثة
مسألة
بطلان الصلاة بتغيير الآيات في القراءة
16 / 81
الحمد لله.
الحمد لله حمدًا لا انقطاعَ له أبدًا، فإن إحسانه علينا غير مقطوعٍ عنا، والصلاة والسلام على مولانا محمدٍ رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد، فإنه لمّا كان في يوم الجمعة لأربعٍ خلون من شوال ١٣٣٩ قرأ إمامُ الصلاةِ في الجمعة بسورتَي الأعلى والغاشية؛ فأبدل لفظ الغاشية بالخاشعة، ففتح عليه الحقيرُ فلم يتنبّه، ثم فتح عليه السيّد الضياء صالح بن محسن الصَّيلمي، وكرّر مرارًا فلم يتنبّه، بل استمرّ على القراءة، فلمّا سلّم قال الصَّيلمي: «أعيدوا الصلاةَ»، فنازعه السيّد العربي محمد بن حيدر النعمي بأنّه لا يلزم في مذهبهما إعادةٌ في مثل ذلك، ثم قال له: «الإمامُ حاكمٌ وهو شافعيٌّ».
فسُئِلَ الحقيرُ عن الصلاة في مذهبنا، فقلتُ: صحيحة. فلما كان بعد ذلك قال لي الصَّيلمي: «ما دليل الشافعية على عدم بطلان الصلاة؟».
فقلتُ له: أمّا صلاتُك أنتَ فقد بطلتْ بمذهبك؛ لأنّ فيه أنّه ليس للمأموم الفتحُ على الإمام في ما زاد على الواجب، وهو منه الفاتحة وثلاث آياتٍ في جميع الصلاة لا في كلِّ ركعةٍ، هذا [مع] (^١) أنّه كرَّر الردَّ بعد أن تجاوز القارئ الآية بآياتٍ.
فقال: لستُ ملتزمًا للمذهب، يعني: بل مجتهد.
_________
(^١) هنا كلمة غير واضحة. ولعلها ما أثبت أو نحوها.
16 / 83
فقلتُ ــ وعلى تسليم دعواه ــ: إذًا ليس لك أن تناظرني؛ لأنّي مقلّدٌ آخُذُ قولَ إمامي، ولا يلزمني معرفة دليله. لكني أتنازل عن هذا فأقول: لا يلزم إمامي الحجةُ؛ لأنه متمسك بالأصل، وهو عدم البطلان، فالبيّنة عليك. ولكنّي أتنازل عن هذا فأقول: لا يخلو دعوى البطلان إمّا أن تكون لتغيير نظم القرآن، وإمّا للإتيان بكَلِمٍ ليست من القرآن.
أمّا الأول فيدلّ على استصحابِ الأصل فيه حديث عليٍّ عند أبي داود والترمذيّ والنسائي والحاكم (^١) قال: «صنعَ لنا عبد الرحمن بن عوفٍ طعامًا، فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذتِ الخمرُ منّا وحضرتِ الصلاةُ، فقدّموني، فقرأتُ: (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون). فأنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: ٤٣].
هكذا ذكره الجلال السيوطي في «أسباب النزول» (^٢). ولفظ أبي داود بعد السند إلى علي: عن عليٍّ ــ ﵇ ــ: «أن رجلًا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوفٍ، فسقاهما قبل أن تُحرَّم الخمر، فأمَّهم عليٌّ في المغرب، فقرأ: (قل يا أيها الكافرون) فخلّط فيها، فنزلت: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾.
والاستدلال بهذا مِن حيثُ إنَّه لم يرد أنّهم أُمِروا بالإعادة، والأصل عدم
_________
(^١) «سنن أبي داود» (٣٦٧١) والترمذي (٣٠٢٦) و«السنن الكبرى» للنسائي (١١٠٤١) و«المستدرك» (٢/ ٣٠٧).
(^٢) «لباب النقول» (ص ٦٨، ٦٩).
16 / 84
الأمر، بل والظاهر، إذ لو كان لنُقِل. وأمّا قولهم: «الدليل إذا تطرَّقَه الاحتمال سقط به الاستدلال» فليس هذا منه.
فإن قيل: هذا قبل تحريم الكلام في الصلاة.
قلنا: لسنا في الكلام، بل نحن في تغيير النظم، إذ قد يقال: إن تغيير النظم أشدُّ من الكلام الأجنبيّ. وسيأتي بحث الكلام إن شاء الله.
فإن قيل: قد نُسِخ جواز صلاة السكران.
قلنا: نعم، ولكن لم يُنسَخ جواز صلاة من غيَّر النظمَ غيرَ مُتعمِّدٍ، مع أنهم في تلك الصلاة كان التخليط بسببهم؛ إذ الشربُ باختيارهم؛ فصحّة صلاة من خلّط بغير سببٍ منه من باب أولى.
فإن قيل: فإنّما كان نسخ صلاة السكران بسبب التخليط.
قلنا: هذا لا يدل على بطلان الصلاة تلك ولا ما بعدها، فإنه إنما هو تحريم الصلاة مع وجود سبب التخليط، بل سبب (...) (^١) مُبطل، فإذا وقع سبب آخر للتخليط ليس باختيار المخلّط فهو معذور فيه، مع أنّ التخليط الذي في الحديث فظيعٌ في نفسه، وأمّا المخلِّط فمعذورٌ.
فإن قيل: لم يعد القارئ لتصحيح القراءة؟
قلتُ: ليست القراءة واجبةً حتى تبطل الصلاة لبطلانها، إذِ الواجبُ في مذهبه الفاتحة، وفي مذهب غيره هي وثلاث آياتٍ في عموم الصلاة، وقد قرأ سورة الأعلى في الركعة الأولى، مع أنَّ التخليط هنا لم يكدْ يغيِّر المعنى، ومع ذلك فالحديث لم يرد فيه إعادته القرآن.
_________
(^١) كلمة غير واضحة.
16 / 85
وأمّا الثاني وهو: أن يكون سبب البطلان هو الإتيان بكلمةٍ ليست من القرآن، فلفظُ الخاشعة قد جاءت في القرآن، مع أنَّ إتيانه بها خطأٌ، والكلام الأجنبيُّ لا يبطل صلاة المعذور فيه، سواءً كان جاهلًا أو ناسيًا أو مخطئًا، فقد قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وهي دعوة مجابةٌ لجميع الأمة، وفي الحديث: «رُفِع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استُكْرِهوا عليه» (^١).
فإن قيل: رُفِع الإثمُ لا الحكم.
قلنا: كلاّ، ففي مسلمٍ وغيره (^٢) عن معاوية بن الحكم السُّلَمي قال: «بينا أنا أصلّي مع رسول الله ﵌ إذْ عطسَ رجلٌ من القوم؛ فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلتُ: وا ثُكْلَ أُمِّياه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون أيديَهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتُهم يُصمِّتونني لكنّي سكتُّ، فلمّا صلّى رسول الله ﵌ فبأبي هو وأمّي ما رأيتُ معلِّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني ولا ضربَني ولا شتمَني، ثم قال: «إنّ هذه الصلاة لا يصلُح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله ﵌ فذكر الحديث.
_________
(^١) أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣/ ٩٥) وابن حبان (٧٢١٩) والدارقطني (٤/ ١٧٠ ــ ١٧١) والحاكم (٢/ ١٩٨) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٣٥٦) من حديث ابن عباس بلفظ: «إن الله تجاوز عن أمتي ...». وإسناده صحيح. وأخرجه ابن ماجه (٢٠٤٥) أيضًا، ولكن في إسناده انقطاع بين الأوزاعي وابن عباس.
(^٢) مسلم (٥٣٧) وأبو داود (٩٣٠، ٩٣١) والنسائي (٣/ ١٤ ــ ١٨).
16 / 86
والدليل منه أنه تكلّم جاهلًا فلم يأمرْهُ الرسول ﵌ بالإعادة، مع وضوح أنّ ذلك كان بعد تحريم الكلام، كما لا يخفى من إنكارِ الصحابة ثم كلامِ النبي ﵌، وهذا حريٌّ أن يكون مجمعًا عليه؛ لأنّ الجاهل المعذور إذا أتى مبطلًا لا يلزمه الإعادةُ، ومنه أهل قُباء الذين كانوا يصلُّون مستقبلين بيتَ المقدس فأُخْبِروا بتحويل القبلة فداروا كما هم (^١) فهم قد فعلوا بعضَ الصلاةِ إلى غير القبلة ولم يؤمروا بالإعادة، وأدلّة هذا كثيرةٌ، هذا في الجهل.
وأمّا السهو أو النسيانُ ففيه حديث ذي اليدين المشهور، ولفظ البخاريّ (^٢) فيه: عن أبي هريرة قال: صلّى بنا النبيُّ ﵌ فساقه. ولمسلمٍ وأحمدَ وغيرهما (^٣) عن أبي هريرة قال: بينما أنا أصلّي مع رسول الله ﵌.
وذو اليدين هذا غير ذي الشمالين الشهيد ببدرٍ، فإنّ هذا عاش بعد النبي ﵌، وحدَّث بهذا الحديث كما عند الطبراني (^٤).
وإسلامُ أبي هريرة وعمران بن حصين ــ الراوي الآخر ــ متأخّر عن تحريم الكلام، وكذا إسلامُ معاوية بن حُدَيج قبل موته ﵌ بشهرين، وله حديث عند أبي داود (^٥) بسندٍ صحيحٍ، فيها السهو وخطاب طلحة للنّبي ﵌ والبناء.
_________
(^١) أخرجه البخاري (٤٠، ٣٩٩) ومسلم (٥٢٥) من حديث البراء بن عازب.
(^٢) رقم (٦٠٥١).
(^٣) مسلم (٥٧٣) وأحمد (٩٤٤٤) والنسائي في الكبرى (٥٦٧).
(^٤) في «المعجم الكبير» (٤٢٢٤).
(^٥) رقم (١٠٢٣).
16 / 87
فهذه الأحاديثُ متأخرة عن تحريم الكلام بالإجماع، على قول من قال: إنّ النسخ بمكة، وعلى قول من قال: إن النسخ بالمدينة أوائلَ الهجرة، على أن الصحيح أنه كان بالمدينة، لحديث زيد بن أرقم عند البخاري (^١) وغيره: «إنْ كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي ﵌، يُكلِّم أحدنا صاحبَه بحاجته، حتى نزلت: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ...﴾ الآية [البقرة: ٢٣٨]، فأُمِرْنا بالسكوت». والآية مدنية باتفاقٍ.
ولا يعارضه حديث عبد الله عند البخاري (^٢) وغيره أيضًا أنَّه قال: «كنا نُسلِّم على النبي ﵌ وهو في الصلاة، فيردّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، وقال: «إنّ في الصلاة لشُغلًا». فإنّ عبد الله رجع من الحبشة إلى مكة أولًا، ثم رجع إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة في ثلاثة وثلاثين رجلًا، فمات منهم رجلان بمكة وحُبِس منهم سبعة، وتوجّه إلى المدينة أربعةٌ وعشرون رجلًا، فشهدوا بدرًا، ومنهم عبد الله كما في سيرة ابن إسحاق (^٣)، وتضافرت عليه الأحاديث.
مع أن عبد الله وافق زيدًا على أنّ الناسخ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ كما في البخاري (^٤)، والآية مدنيةٌ باتفاق.
وقد حقّق الحافظ في «الفتح» (^٥) هذا المبحثَ بما لا مزيدَ عليه، وأكثرَ
_________
(^١) رقم (١٢٠٠).
(^٢) رقم (١١٩٩).
(^٣) انظر «سيرة ابن هشام» (١/ ٦٨١).
(^٤) رقم (١١٩٩، ١٢٠٠).
(^٥) (٣/ ٧٤، ٧٥).
16 / 88
من الأدلة على أن تحريم الكلام إنّما كان بالمدينة، فراجعْه إن شئت، فإنّ أكثر ما ذكرناه هنا مأخوذٌ منه.
وفي هذا أوضح حجّةٍ على من قال: إنّ الكلامَ يُبطِل الصلاة ولو سهوًا.
ولا حجّة لهم في قولهم: «كيف يُعذَر الناسي وله حالةٌ تُذكِّره، وهي أقوالُ الصلاة وأفعالها». فإنَّ هذا لا يصدُقُ على من ظنَّ التمامَ مع أنّ النصّ قد ورد بضدِّ ما قالوه، فإنّ في حديث ذي اليدين أنَّ النَّبي ﵌ تكلّم، وذا اليدين تكلّم، والصحابة تكلّموا.
فإن قيل: في هذه سلّمنا، فكيف بالعقل حالَ مباشرة أفعال الصلاة وأقوالها، فإنّ العلّة موجودةٌ في ذلك ولا نصَّ؟
قلتُ: يُلْحَق ظنُّ التمام بمثله؛ لأنَّه وإن لم تكنِ العلّة المذكورة موجودةً فثَمَّ علّةٌ أخرى وهي عدم الضبط، بل هذه أشدُّ، وحيث لم يعتبر الشرعُ تلك فلا تُعتَبر هذه.
ولا دليل في الحديث لمن قال: «إنّ الكلام لمصلحة الصلاة لا يُبطلها ولو عمدًا»، ويستدلُّ له بأنّ ذا اليدين والصحابة تكلّموا بعد قول النبي ﵌: «كلُّ ذلك لم يكن» أو نحو ذلك، فعلموا أن الصلاة لم تُقصَر مع أنّها لم تتمَّ.
فقد أجاب بعضُهم بأن الصحابة لم ينطقوا، وإنما أومَؤوا، كما صرّح به في «سنن أبي داود» (^١)، ويحمل ما ذكره غيره من القول على المجاز. وهذا وجيهٌ في غير ذي اليدين. وأما هو فأجيبَ عنه وعن غيره بتقدير [...] (^٢):
_________
(^١) رقم (١٠٠٨).
(^٢) هنا كلمة غير واضحة.
16 / 89
بأنّ إجابة النبي ﵌ بل ومخاطبته لا تُبطِل، لأنّهم قد كانوا يقولون في التشهد: «السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» وهو حيٌّ حاضرٌ.
وأقول: ولو سُلِّم أن خطابه كغيره فلا نُسلِّم أنهم غير معذورين، فإنّهم قد يكونون يظنُّون أن السلام والتحوّل عن القبلة والكلام مُبطِل للصلاة، وأنّ النبي ﵌ سيستأنف لهم الصلاة، فهم يظنون أنّهم ليسوا حالَ الكلامِ باقين في حكم الصلاة. لكن حديث معاوية بن حُدَيج ــ المتقدم ذكره ــ فيه خطاب طلحة له ﵌[...] (^١) من هذا الاحتمال بعض الضعف؛ لأنَّ إسلام معاوية قبل موت النبي ﵌ بشهرين، والراجح تأخُّر قضيّته عن قضيّة ذي اليدين، والظاهر أنَّ طلحة كان قد علم أن السهو لا يقطع الصلاة. وإن كان هذان الوجهان ضعيفين فيبقى الجواب الأول، وهو أنّ خطابه ﵊ لا يُبطِل.
وأمّا الخطأ ــ ومنه واقعتنا الحاضرة ــ فهو بالجهل أشبهُ منه بالنسيان؛ لأنّ علّة من أبطل بالنسيان أن للمصلي حالةً تُذكّره من أفعال الصلاة وأقوالها، وهذا غير موجود في الجهل.
وقد قدَّر أصحابنا الكلام الذي لا يُبطِل سهوه بستِّ كلماتٍ أخذًا من حديث ذي اليدين، وحجّتهم أنّ ظاهر النصِّ والقياس إبطال الكلام مطلقًا كما هو مذهب الحنفية، وقد مرّ توجيهه وما فيه. فلمّا ورد النصُّ بخلاف ذلك لزِمَ قصْرُه حيث ورد. وهذا مثل قولهم في المدة التي لا يجوز للمسافر أن يقصر فيها إذا مكث بمنزلٍ ولم ينوِ إقامةَ أربعةِ أيام كواملَ، لأن ظاهر
_________
(^١) هنا كلمة غير واضحة.
16 / 90
حديث: «يقيم المهاجر [بمكة] بعد قضاء نسكه ثلاثًا» ــ متفق عليه ــ (^١) على أن الثلاث لا تقطع السفر، وأفهمَ أنّ الأربعة تقطعه، ويلحق نيّةَ الإقامة الإقامةُ بالفعلِ. وحديث «الصحيحين» (^٢) عن أنس في القصر، وفيه: قال: «أقمنا بها عشرًا» أي بمكة، قالوا: العشر بمكة وضواحيها، والتي بمكة نفسها أربعة أيام.
فلما رُدَّ بإقامته ﵌ ثمانية عشر يومًا يقصُر، حملوه على أنه لم يَنْوِ ذلك، بل كان متردّدًا متى [...] (^٣) داع الحاجة يرحل.
وقد يقال عليه: إن المسافر لا يسلب اسم السفر حتى يرجعَ إلى أهله، أو يستوطنَ بلدًا آخر، أو يقيمَ فيه مدةً تسلُبه اسمَ السفر عُرفًا، والأدلةُ علَّقتِ القصرَ باسم السفر، فما دام اسمُ السفر موجودًا فالقصر مشروع.
وأمّا دليلا الأربعة أيام فلم يدلاّ على سلب اسم السفر [...] (^٤)، أنّ الأول يدلُّ على أنّ الأربعة أيام ترفع حكم السفر؛ لأنّ المهاجر حُرِّم عليه طولُ المكث بمكة لحكمةٍ أخرى.
وأمّا حديث أنس فلا دليلَ فيه، لأنّه من جملة وقائع الأحوال، ثم عثرت على كلام لابن القيم، وفي هذا خلافٌ طويل بين السلف، وكذا في مسافة القصر، والظاهر أنها ما يسمّى سفرًا للآية وهي على إطلاقها. ثم السفر ليس
_________
(^١) البخاري (٣٩٣٣) ومسلم (١٣٥٢) ــ واللفظ له ــ من حديث العلاء بن الحضرمي.
(^٢) البخاري (١٠٨١) ومسلم (٦٩٣).
(^٣) هنا كلمة غير مقروءة.
(^٤) هنا كلمة غير واضحة ولعلها: سُلِّم.
16 / 91
مجملًا حتى يُبيَّن بما يرد من الأحاديث، بل هو مطلق في كل سفر، ولا يُقيَّد بما ورد من فعله ﵌، فإنّ الأفعال وقائعُ أحوال، ولا دليلَ على أنه لو وقعَ دونها في المسافة أو فوقَها في مُدّة اللبثِ لأتمّ، فتأمّلْ.
وهذا بعدما تصفحَّتُ الأحاديث المستدلَّ بها في ذلك؛ فلم أرَ فيها ما يصحُّ الاحتجاجُ به، ولكنّي تعظَّمتُ هذه العبارة حتى عثرتُ على قول ابن القيّم في «زاد المعاد» (^١): «ولم يَحُدَّ ﵌ لأمته مسافةً محدودةً للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمّم في كلِّ سفرٍ، وأمّا ما يُروى عنه [من التحديد باليوم أو] (^٢) اليومين أو الثلاثة فلم يصحَّ عنه فيها شيءٌ البتة، والله أعلم».
وإن كان قوله: «كما أطلق لهم التيمُّم في كلِّ سفرٍ» لا حجَّة فيه؛ لأنَّ العلة في التيمُّم عدمُ الماء، وإنّما خرج السفر مخرجَ الغالب، وأمّا في القصر فالعلّةُ في نفس السفر.
وأمّا تحديد الكلام بالستِّ كلماتٍ فيقال: (التي دلَّ الحدُّ عليه) (^٣) السهو سهوان كما تقدّم، إمّا أن يكون في أثناء الصلاة فيغفل عنها، ويتكلّم بكلامٍ غير مُبطِلٍ وإن كثرُ ما دام معذورًا (^٤)، فيه للنصِّ.
فإن قيل: سلّمنا أنه قد خرج من الصلاة مثلًا، فله الكلام (على الأخير
_________
(^١) (١/ ٤٦٣).
(^٢) سقطت من الأصل، استدركناها من «الزاد».
(^٣) هكذا وجدت، وقبلها كلام قد خُط عليه.
(^٤) فوق هذه الكلمة كُتب: «وإما أن يكون بطل».
16 / 92
بقدر الحاجة) (^١)، في الأخير للنصِّ، فكيف يُلحق الأول به مع أنّ فيه تقصيرًا ليس في الثاني، وهو أنَّ له حالةً تذكّره؟
قلنا: وقد يقال: وفي الثاني تقصير أيضًا، وهو عدم الضبط مع إمكانه لولا السهو، فلمّا لم يعتبر الشارع عدم العذر فلا نعتبره. وأمّا كونه ستَّ كلماتٍ أو أقلَّ أو أكثرَ فواقعةُ حالٍ لا يُقيَّد بها الحكمُ، ولا دليلَ على أنَّه يُبِطل ما فوقها، وهذا لا غبار عليه إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: التقصير حاصلٌ لعدم الضبط.
قلنا: لا تقصيرَ في ذلك يوجب العقوبة؛ إذ قد وقع ذلك منه ﵌ وإن اختلف السبب.
وأمّا ما أشرنا إليه سابقًا أن مذهب الهدويّة (^٢) أنّ الفتح على الإمام إنّما جاز للضرورة، وهم بَنَوا قولهم على أنّ القراءة مع قراءة الإمام مُبطِلة، ولعمري إنّه لظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]، نزلت في القراءة خلف الإمام، وقيل: في الكلام والإمام يخطب، وأُطلِق القرآنُ على الخطبة مجازًا، وقيل: في الكلام في الصلاة؛ فعلى هذا تكون ناسخةً لجواز الكلام.
وفي حديث مسلمٍ (^٣) وغيره: «وإذا قرأ فأنصتوا» يعني الإمامَ، وأحاديث
_________
(^١) هذه العبارة وجد عليها بعض الضرب.
(^٢) كذا في الأصل، والصواب: «الهادوية» نسبة إلى الهادي.
(^٣) رقم (٤٠٤) من حديث أبي موسى الأشعري. وأخرجه أيضًا أحمد (١٩٧٢٣) وأبو داود (٩٧٣) والنسائي (٢/ ٢٤٢) وابن ماجه (٨٤٧). قال أبو داود: قوله «فأنصتوا» ليس بمحفوظ، لم يجئ به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث. وأعلَّه كذلك الدارقطني في «العلل» (٧/ ٢٥٤) وأبو علي النيسابوري كما في «السنن الكبرى» للبيهقي (٢/ ١٥٦). وقد رُوي أيضًا من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو داود (٦٠٤) والنسائي (٢/ ١٤١، ١٤٢) وابن ماجه (٨٤٦)، قال أبو داود: «وهذه الزيادة «وإذا قرأ فأنصتوا» ليست بمحفوظة، الوهم من أبي خالد». وتكلم فيه أيضًا ابن معين وأبو حاتم الرازي والدارقطني والبيهقي، انظر «سنن» الدارقطني (١/ ٣٢٩) والبيهقي (٢/ ١٥٦) ولكن صححه مسلم في صحيحه (١/ ٣٠٤) دون أن يخرّجه.
16 / 93
كثيرة يُخصِّصها حديث أبي داود والترمذي والنسائي (^١) عن عبادة بن الصامت قال: كنّا خلفَ النبي ﵌ في صلاة الفجر، فقرأ فثقُلَتْ عليه القراءة، فلما فرغ قال: «لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟» قلنا: نعم يا رسول الله. قال: «لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها».
وفي روايةٍ لأبي داود (^٢): «وأنا أقول مالي ينازعني القرآن، فلا تقرأوا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلا بأمّ القرآن».
مع عموم الأدلة المُلزِمة بقراءة الفاتحة.
وفي «أسباب النزول» (^٣): «وأخرج ابن أبي حاتم (^٤) عن الزهري قال: نزلت هذه الآية يعني قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ...﴾ الخ في فتًى من الأنصار كان رسول الله ﵌ كلّما قرأ شيئًا قرأه».
_________
(^١) أبو داود (٨٢٣) والترمذي (٣١١) والنسائي (٢/ ١٤١). وقال الترمذي: حديث حسن.
(^٢) رقم (٨٢٤).
(^٣) «لباب النقول» (ص ١٠٥، ١٠٦). وانظر «الدر المنثور» (٦/ ٧٢١).
(^٤) وأخرجه أيضًا الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٦٥٩).
16 / 94
وقال سعيد بن منصور في «سننه» (^١): حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال: «كانوا يتلقَّفون من رسول الله ﵌، إذا قرأ قرأوا معه، حتى نزلت هذه الآية التي في الأعراف: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾.
فهذا دليلٌ على أنّهم كانوا يقرأون غير الفاتحة.
وفي حديث أبي داود (^٢): «فجاء رجلٌ فقرأ خلفه بسبح اسم ربّك الأعلى».
وفي حديث أبي هريرة عند مالكٍ وأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي، ولابن ماجه نحوه (^٣): «أنّ رسول الله ﵌ انصرف من صلاةٍ جهرَ فيها بالقرآن، قال: «هل قرأ معي أحدٌ منكم؟» فقال رجلٌ: نعم يا رسول الله، قال: «إني أقول مالي أُنازَع». قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﵌».
قال بعضهم: لعلّ هذا هو الناسخ لما تقدّم، يعني حديثَ عبادة ونحوه؛ لأنّ أبا هريرة متأخر الإسلام.
قلتُ: هذا باطلٌ من وجوه:
أولًا: دعوى النسخ مع إمكان الجمع، بل الجمع هو الظاهر، فالقصة واحدةٌ، وإنّما زاد عبادة: «إلا بأمّ القرآن»، وهي زيادة ثقةٍ مخصِّصةٌ لعموم
_________
(^١) رقم (٩٧٨ ــ تفسير).
(^٢) رقم (٨٢٨) من حديث عمران بن حصين.
(^٣) «الموطأ» (١/ ٨٦) و«مسند» أحمد (٧٢٧٠) و«سنن» أبي داود (٨٢٦) والترمذي (٣١٢) والنسائي (٢/ ١٤١) وابن ماجه (٨٤٨).
16 / 95
الحديث، أو مقيِّدةٌ لإطلاقه، مع أن حديث عبادة أصله في الصحيحين (^١) بلفظ: إن رسول الله ﵌ قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
وأمّا اختلاف العبارتين فهذا من الرواية بالمعنى، وهو واضحٌ، وممّا يدلُّك على ذلك حديث أبي هريرة عند مسلمٍ (^٢) وغيره قال: قال رسول الله ﵌: «من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خِداجٌ، ثلاثًا، غير تمامٍ». فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام؟ قال: اقرأْها في نفسك، فإنّي سمعتُ رسول الله ﵌ يقول: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ...» الحديث.
واستدلالُ أبي هريرة به من حيث إنّه قال: «قسمتُ الصلاة»، ثم فسَّرها بالفاتحة، فدلّ على أنّ الفاتحة هي الجزء الأهمُّ في الصلاة، كما في قوله: «الحجُّ عرفة» (^٣)، فكيف يخفى عليه أن الحديث الذي رواه ناسخٌ لغيره؟ مع أنّ الحديث الذي رواه وذكرناه آنفًا هو عين حديث عبادة، إلا أنّه في حديث عبادة تلك الزيادة.
وقوله: «لا صلاة ...» إلخ، النفي واقع على الذات، لأن ألفاظ الشارع محمولة على عُرفه، ولا يسمّى عنده صلاة إلا الصحيح المجزئ، فغير الصحيح المجزئ لا يسمّى عنده صلاة، فنفيه حقيقةٌ، ولو سُلِّم امتناع انتفاء
_________
(^١) البخاري (٧٥٧) ومسلم (٣٩٤).
(^٢) رقم (٣٩٥). وأخرجه أيضًا أبو داود (٨٢١) والترمذي (٢٩٥٣) والنسائي (٢/ ١٣٥).
(^٣) أخرجه أبو داود (١٩٤٩) والترمذي (٨٨٩) والنسائي (٥/ ٢٦٤) وابن ماجه (٣٠١٥) من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي. وإسناده صحيح.
16 / 96
الذات فأقرب المجازات الصحة والإجزاء، وهذا واضح لا غبار عليه، مع ورود أحاديث كثيرة تنصُّ على وجوبها وبطلان الصلاة عند عدمها.
وبهذا ــ ولله الحمد ــ تقرّر أن الفاتحة لا بدّ منها للإمام والمأموم في كل ركعة، لحديث المسيء صلاته (^١)، وفيه: «ثم اقرأْ بما تيسَّر معك من القرآن»، فعلَّمه إلى تمام ركعة، وقال في آخره: «ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلها». وفي رواية لأحمد وابن حبان (^٢): «ثم افعلْ ذلك في كل ركعة».
وقد تحقَّق من حديث عبادة أن الفاتحة لا تصحُّ الصلاة إلا بها، فتكون هي الذي تيسَّر، وإذا لم يُسلَّم هذا فلا أقلّ من ثبوت وجوب ما تيسَّر في كلّ ركعة، ثم عيَّن حديثُ عبادة وحديثُ أبي هريرة الفاتحةَ، فتكون هي بمكان ما تيسَّر، وذلك في كلّ ركعةٍ، كذا قالوه.
وبعدُ، فقد تقرّر أن الرجل المسيء صلاته هو خلاّد بن رافع الأنصاري، كما ذكره ابن حجر وبيَّن مستنده في ذلك في «الفتح» (^٣)، وخلاّد استشهد ببدرٍ، فدلّ على أنه كان أولَ الأمر يكفي في القراءة ما تيسر من القرآن: الفاتحةُ أو غيرها، ثم أوجبت الفاتحة، وعلى هذا يدلُّ حديث أبي داود (^٤) عن أبي سعيد قال: «أُمِرْنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسَّر»، وعن أبي هريرة (^٥) قال: قال لي رسول الله ﵌: «اُخرجْ فنادِ في المدينة أنّه لا صلاة
_________
(^١) أخرجه البخاري (٧٥٧) ومسلم (٣٩٧) من حديث أبي هريرة.
(^٢) «مسند أحمد» (١٨٩٩٥) و«صحيح ابن حبان» (١٧٨٧) من حديث رفاعة الزرقي.
(^٣) (٢/ ٢٧٧).
(^٤) رقم (٨١٨).
(^٥) عند أبي داود (٨١٩).
16 / 97
إلا بقرآنٍ، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد». وفي روايةٍ (^١): «أن أناديَ أنه لا صلاة إلا بقرآنٍ: فاتحة الكتاب فما زاد».
فهذا يشير إلى النسخ؛ لأنّ النداء لا يكون إلا في أمرٍ تجدّد، لأنَّ إسلام أبي هريرة متأخّر جدًّا، ويستحيل أن يكون مَضَت تلك المدّة الطويلة، والنبي ﵌ لم يُعلِمِ الناسَ بوجوب قراءة الفاتحة حتى يحتاج في إعلامهم حينئذٍ إلى نداءٍ إلا وهي لم تكن واجبةً، وهذا ــ إن شاء الله ــ مُتَّجهٌ.
وقد يقال: هذه الأحاديث دلّت على وجوب قدر زائدٍ على الفاتحة.
فنقول: قال الحافظ في «الفتح» (^٢): «وتُعقِّب بأنّه ــ أي قوله: «فصاعدًا» ــ ورد لدفع توهّم قصر الحكم على الفاتحة، قال البخاريّ في «جزء القراءة» (^٣): وهو نظير قوله: «تُقطَع اليدُ في رُبع دينارٍ فصاعدًا» (^٤)، وفي حديثٍ لأبي هريرة موقوفًا (^٥): «وإن لم تزِدْ على أمّ القرآن أجزأتَ»، ولابن خزيمة (^٦) من حديث ابن عبّاس أنّ النّبي ﵌ قام فصلّى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بأمّ الكتاب.
واعلم أنّ الأدلة تُعطِي أنّ القراءة إذا جهر الإمام حرامٌ إلا بالفاتحة،
_________
(^١) عند أبي داود أيضًا (٨٢٠).
(^٢) (٢/ ٢٤٣).
(^٣) (ص ٤٨) بتخريجه «تحفة الأنام».
(^٤) أخرجه البخاري (٦٧٨٩) ومسلم (١٦٨٤) من حديث عائشة.
(^٥) أخرجه البخاري (٧٧٢).
(^٦) في «صحيحه» (٥١٣).
16 / 98
وكذا الدعاء، فإنّ ظاهر الآية الوجوب، وقد قال: «فأنصِتوا»، وظاهر النهيّ التحريم، وقد قال: «لا تفعلوا» و«فلا تقرأوا» وغير ذلك، لكنّه يجوز قول: «سبحان ربي الأعلى» عند قراءة الإمام: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ لوروده (^١).
فأمّا قول: «وأنا على ذلك من الشاهدين» بعدَ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: ٨]، وقول: «بلى» بعدَ ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: ٤٠]، و«آمنا بالله» بعد ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [المرسلات: ٥٠] فذلك بعد تمام القراءة، فهو بمنزلة التأمين.
نعم، أمّا الدعاء عند آيات الثواب والاستعاذة عند ذكر العذاب، فإن دعا الإمام فللمأموم الدعاء؛ لأنّ الإمام حينئذٍ ليس في قراءة.
وأمّا من قال: «إن الآية نزلت في الكلام في الخطبة» ــ وهو الذي يميل إليه المفسِّرون ــ فهو موافقٌ لحديث: «من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب «صَهْ» فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له» (^٢). وعليه فالظاهر وجوب الإنصات إلا إذا كان الكلام لمصلحة الخطبة، كما في حديث الذي سأل النبي ﵌ وهو يخطب بقوله: «متى الساعة؟» فقال: «ما أعددتَ لها؟» (^٣). فافهم.
_________
(^١) أخرجه أحمد (٢٠٦٦) وأبو داود (٨٨٣) من حديث ابن عباس.
(^٢) أخرجه أبو داود (١٠٥١) من حديث علي بن أبي طالب، وإسناده ضعيف.
(^٣) أخرجه البخاري (٣٦٨٨، ٦١٦٧، ٦١٧١، ٧١٥٣) ومسلم (٢٦٣٩) من حديث أنس بن مالك. وليس فيه أنه سأله وهو يخطب. بل في بعض طرقه أنه سأل والنبي ﷺ كان خارجًا من المسجد.
16 / 99
وهل النفخُ والتنحنح ونحوه يُعدُّ كلامًا يُبطِل الصلاة؟ الأصحُّ عند أصحاب الشافعيّ: نعم، والصحيح هو الصحيح، والله أعلم.
16 / 100