القائد إلى تصحيح العقائد
محقق
محمد ناصر الدين الألباني.
الناشر
المكتب الإسلامي.
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٤ هـ / ١٩٨٤ م.
تصانيف
حين بعث إلى يوم القيامة فالعناية بشأنه آكد، وهذا هو الواقع.
أما قبل النبوة فقد شهد له أعدائه بالصدق والأمانة حتى سموه «الأمين»، ولم يستطيعوا مع إسرافهم في عداوته، واضطرارهم إلى صد الناس عن إتباعه، أن يذكر أحدهم أنه كذب أو وقع منه ما يشبه الكذب، وقد سئل هرقل أبا سفيان أشد المشركين عدواة للنبي ﵌ يومئذ وأحرصهم على أن يعيبه كما يعلم من سياق القصة في أوائل (صحيح البخاري) وغيره، قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه (يعني النبي ﵌ بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ (يعني قبل النبوة) قال أبو سفيان: لا، ثم قال هرقل: فقد أعرف إن لم يكن ليذر (١) الكذب على الناس ويكذب على الله. وقال الله ﵎ لرسوله: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» الأنعام: ٣٣.
يعني والله أعلم لا ينسبونك إلى تعمد الكذب، وهذا بين واضح من كلماتهم، كقولهم: «مجنون» أي لا يعقل ما يقول، «كاهن» أي تلقي إليه الشياطين ما تلقي فيحسبه من عند الله. فأما قولهم: «شاعر» فقصدوا به توجيه بلاغة القرآن. وأما قولهم: «ساحر» فقصدوا به توجيه المعجزات، ومنها بلاغة القرآن وعجزهم عن معارضته. فإن كان في كلماتهم ما فيه ذكر تعمد الكذب فذاك من باب اللجاج الذي يعرف قائله قبل غيره أنه لا يخفى بطلانه على أحد وإنما أعتني القرآن بحكاية ذلك وأبطاله إبلاغًا في إقامة الحجة، وليبين للناس أنه لا شبه لهم إلا مثل ذلك اللجاج، وهذا مثل ما قصه الله ﷿ من قول بعض اليهود (٢): «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
_________
(١) أي ليدع ويترك. م ع
(١) هذا قول بعض المفسرين مستدلًا على ذلك برد الله عليه بإنزال التوراة التي يعترفون بها. ولكن السياق والأسلوب يدل على أن ذلك من قريش ورد الله عليهم بإنزال التوراة من باب الإفحام بما لا يمكن رده، وفشهرة التوراة وإنها كتاب الله مما لم يجحده قريش، فالحجة قائمة على جاحد الوحي من قريش بشهرة التوراة وأنها كتاب الله =
1 / 94