القواعد الحسان لتفسير القرآن

عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي ت. 1376 هجري
140

القواعد الحسان لتفسير القرآن

الناشر

مكتبة الرشد

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

مكان النشر

الرياض

تصانيف

قليل قال: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، [يوسف: ٩٩]، في تلك النعمة الواسعة والعيش الرغيد والعز المكين، والجاه العريض فتبارك من لا يدرك العباد من ألطافه ودقيق بره أقل القليل. ويناسب هذا من ألطاف الباري: أن الله يذكر عباده أثناء المصائب ما يقابلها من النعم، لئلا تسترسل النفوس في الجزع، فإنها إذا قابلت بين المصائب والنعم خفت عليها المصائب، وهان عليها حملها، كما ذكّر الله المؤمنين حين أصيبوا بأحد ما أصابوا من المشركين ببدر، فقال: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥]، وأدخل هذه الآية في أثناء قصة أحد ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، [آل عمران: ١٢٣]،. وكذلك يبشر الله عبده بالمخرج منها حين تباشره المصائب، ليكون هذا الرجاء مخففًا لما نزل به من البلاء، قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾، [يوسف: ١٥]، وكذلك رؤيا يوسف كان يعقوب إذا ذكرها رجاء الفرج وهب على قلبه نسيم الرجاء، ولهذا قال: ﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾، [يوسف: ٨٧]،. وكذلك قوله لأم موسى في سورة القصص: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، [القصص:٧]،. وأعظم من هذا كله: أن وعد الله لرسله بالنصر وبتمام الأمر وحسن العاقبة يهون عليهم به المشقات ويسهل عليهم الكريهات، فيتلقوها بقلوب مطمئنة وصدور منشرحة، وألطاف الباري فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال ولكن أكثر الناس لا يفقهون.

1 / 145