الفوارق بين الكرامة والمعجزة وما يجري على يد السحرة والعرافين
أما الفوارق بين الكرامة والمعجزة وما يجري على يد السحرة والكهنة والعرافين، ابتداء: أن المعجزة تكون على يد نبي، والكرامة تكون على يد ولي، وهذا اصطلاح المتأخرين من أهل السنة، ومن قبل في العصور الأولى للإسلام كانوا يطلقون لفظ المعجزة على المعجزة والكرامة، لكن المتأخرين فرقوا بين المعجزة التي يأتي بها النبي، وبين الكرامة التي تكون على يد الولي، والمعجزة مصحوبة بالتحدي ولابد، خلافًا للكرامة؛ لأن الولي لا يحل له أن يتحدى بمنة الله ﷿ عليه، وما كانت هذه الكرامة إلا تثبيتًا له على موقفه الإيماني، أو نصرة لدين الله ﷿ في موقف يحتاج إلى نصرة، أو عونًا له على قضاء حاجاته، أو خروجًا له من مأزق وقع فيه، فلا يتحدى بمنة الله تعالى عليه، أما النبي فإنه يأتي ومعه المعجزة أو المعجزات ويتحدى بها الناس أجمعين.
وأعظم معجزة أتى بها نبينا ﵊ هي القرآن الكريم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومعجزات نبينا قاربت أو ساوت الألف معجزة، أعظمها القرآن الذي نزل من السماء وهو كلام الله ﷿.
وهكذا اعتبر المسلمون أن أعظم معجزة هي القرآن الكريم؛ لأنها نزلت في أبلغ الخلق وهم العرب، فتحداهم الله ﷿ في شيء يحسنونه في لسانهم ولغتهم، فنزل القرآن بلسان عربي مبين لسان قريش ولسان هذيل وغيرها من الألسنة: ائتوني بكتاب مثل هذا فعجزوا، ائتوني بعشر سور من مثله مفتريات -لما قالوا: هذا القرآن مفترى- فعجزوا، تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة واحدة فعجزوا، وفي كل مرة يتحدى الله ﷿ العرب فيعجزون؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء:٨٨]، أي: مظاهرًا له مساندًا ومعاونًا، فتحدى الله ﵎ بهذه المعجزة -وهي القرآن- الإنس والجن مجتمعين، فما استطاعوا أن يأتوا ولا بآية واحدة، وهذا دليل على أن المعجزة تكون مصحوبة بالتحدي خلافًا للكرامة.
ثالثًا: أن ما يخبر به الأنبياء لا يكون إلا صدقًا، كما أخبر القرآن والسنة، بل كما سمى العرب النبي ﵊ بالصادق قبل بعثته، ومن قال: إن النبي ليس صادقًا في خبره، وليس صادقًا في تبليغه الأمر والنهي كفر وخرج من الملة؛ لأنه جوز على الأنبياء كبيرة من الكبائر وهي الكذب، خلافًا لما يخبر به السحرة والكهان وعباد المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع والفجور من المسلمين، فإنه لابد في أخبارهم من وقوع الكذب.
رابعًا: أن الأنبياء لا تأمر إلا بالعدل ولا تفعل إلا العدل، بخلاف غيرهم، فإنهم يفعلون الظلم والجور والفساد، وأحيانًا يفعلون العدل، لكن ديدن الأنبياء واحد في أقوالهم وأفعالهم وتشريعاتهم؛ كلها مبنية على العدل والحكمة التي ليس بعدها عدل ولا حكمة.
خامسًا: آيات الأنبياء إنما هي معجزة من الله ﷿ بحسن عبادة هؤلاء الأنبياء والأولياء، كذلك تجرى الكرامات على أيديهم جزاءً وفاقًا لحسن أعمالهم، والجزاء من جنس العمل، فآيات الأنبياء إنما تنال بحسن عبادة الله وطاعته، وكذا كرامات الأولياء إنما تنال بقوة الإيمان وزيادته وحسن التقوى ومتابعة الرسول ﷺ.
وطريق تحصيل هذا عند النبي والولي الصدق والعدل لا الكذب والخيانة والظلم.
سادسًا: آيات الأنبياء لا يقدر عليها الإنس ولا الجن، بخلاف كرامات الأولياء، وما يأتي على أيدي السحرة والكهان فإنه ليس بمعجزة، بل يمكن أن تتم كرامة على يد محمد، ويكون لزيد كرامة، وكرامة محمد أعظم منها وأقوى، وما قد أتى على يد زيد يأتي مثله أو أعظم منه على يد عمرو، خلافًا للمعجزة فهي ليست من هذا الباب، والذي يأتي به ساحر يقدر ساحر آخر بفعل الشياطين والأبالسة أن يفكه؛ ولذلك يغتر العامة إذا أصابه شيء من الجن أو المس أو الصرع أو ضياع الحاجات أو كتابة الأعمال والأحراز الشيطانية، فيزعم أنه لا يستطيع فك ذلك ولا قضاءه إلا ساحر فيذهب إلى الساحر!، ولذلك قال النبي ﵊: (من أتى ساحرًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد برئت منه ذمة الله، وإذا أتى عرافًا أو كاهنًا ولم يصدقه فإن الله لا يقبل منه صلاة أربعين يومًا).
أيها الإخوة! إن هذه من مسائل الإيمان والكفر، ومن مسائل الشرك والتوحيد، ينبغي الدندنة حولها بالليل والنهار؛ لأننا نرى أن قطاعًا عظيمًا من الأمة وقعوا في مثل هذا البلاء العظيم، أي: في شعب الشرك كلها، لا أقول السحر فحسب، فينبغي الدندنة والتأكيد من الدعاة إلى الله على إظهار التوحيد وطمس وإخماد الشرك وفروعه وأصوله.
سابعًا: ما يأتي به السحرة والكهان وكل مخالف للرسل يمكن معارضته بمثله أو بأعظم منه كما قلنا.
ثامنًا: المعجزة مقرونة بدعوى النبوة، يعني: لا يمكن لولي أن يزعم أن هذه الكرامة التي كانت على يديه هي من باب المعجزات، وإلا فلا يكون وليًا، بل يكون كاذبًا، خلافًا للكرامة فإنها تظهر على ي
7 / 6