الشرائع التي شرعها الله لأمة محمد وميزها بها عن غيرها
قال: (ومثل أصول الشرائع كما ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وسبحان وغيرهن من السور المكية، من أمر الله تعالى لعباده بعبادته وحده لا شريك له، وأمره ببر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والعدل في المقال، وتوفية الميزان والمكيال، وإعطاء السائل والمحروم، وتحريم قتل النفس بغير الحق، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتحريم الإثم والبغي بغير الحق، وتحريم الكلام في الدين بغير علم مع ما يدخل في التوحيد من إخلاص الدين لله تعالى، والتوكل على الله، والرجاء لرحمة الله، والخوف من الله، والصبر لحكم الله، والقيام لأمر الله، وأن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد من أهله وماله والناس أجمعين إلى غير ذلك من أصول الإيمان التي أنزل الله ذكرها في مواضع من القرآن كالسور المكية وبعض السور المدنية.
وكذلك ما أنزل الله ﷿ في السور المدنية من شرائع دينه، وما سنه الرسول ﵊ لأمته، فإن الله سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة، وامتن على المؤمنين بذلك، وأمر أزواج نبيه بذكر ذلك، فقال: ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء:١١٣]-أي: يا محمد- وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران:١٦٤]، وقال تعالى آمرًا أزواج نبيه: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب:٣٤]-أي: القرآن- ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب:٣٤] أي: السنة النبوية؛ ولذلك قال حسان بن عطية: كان جبريل ﵇ ينزل على النبي ﷺ بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن.
وقال النبي ﵊: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».
إجماع أهل السنة والجماعة أن المثلية هنا هي مثلية الوحي كتابًا وسنة، وهذه الشرائع التي هدى الله بها هذا النبي وأمته، مثل التوجه إلى القبلة والمنسك والمنهاج أي: الشريعة، وذلك مثل الصلوات الخمس في أوقاتها والقراءة والركوع والسجود واستقبال القبلة، كل ذلك أمرنا الله ﷿ به في كتابه، كما أمرنا بذلك نبيه ﷺ.
قال: (ومثل فرائض الزكاة وأنصبتها التي فرضها الله في أموال المسلمين من الماشية والحبوب والثمار والتجارة والذهب والفضة، ومن جعلت له، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ [التوبة:٦٠] أي: الزكوات: ﴿لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:٦٠].
ومثل صيام شهر رمضان، ومثل حج بيت الله الحرام، والحدود التي حدها الله تعالى لهم: في المناكح، والمواريث، والعقوبات، والمبايعات، ومثل السنن التي سنها الله تعالى لهم من الأعياد والجمعات والجماعات في المكتوبات، والجماعات في الكسوف والاستسقاء وصلاة الجنازة والتراويح).
كل هذا شرع الله تعالى تميزت به هذه الأمة عن غيرها من سائر الأمم.
قال: (وما سن لهم الرسول ﷺ في العادات، مثل: المطاعم، والملابس، والولادة، والموت، ونحو ذلك من السنن والآداب، والأحكام التي هي حكم الله ورسوله بينهم: في الدماء، والأموال، والأبضاع، والأعراض، والمنافع، والأبشار، وغير ذلك من الحدود والحقوق، إلى غير ذلك مما شرعه لهم على لسان رسوله ﷺ.
وحبب الله تعالى إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فجعلهم متبعين لرسوله ﷺ، وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة كما ضلت الأمم من قبلهم) -وهذه كذلك خاصية أخرى سنتعرض لها بإذن الله تعالى؛ أن الأمة في مجموعها معصومة، أما أفرادًا أفرادًا فليس أحد معصومًا إلا النبي ﷺ إذ كانت كل أمة إذا ضلت أرسل الله تعالى إليهم رسولًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر:٢٤]-أي: رسول- ومحمد ﷺ خاتم الأنبياء لا نبي بعده، فعصم الله تعالى أمته أن تجتمع على ضلالة، وجعل فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة على سائر الخلق، ولهذا كان إجماعهم -أي: إجماع الأمة- حجة كما كان الكتاب والسنة حجة؛ ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة والسنة والجماعة عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب، ويعرضون عن سنة رسول الله ﷺ وعما م
4 / 4