الشفاعة العظمى الشفاعة لفصل القضاء بين الخلائق
الأول: الشفاعة العظمى، وهذه الشفاعة تبين كرامته وعظمة مكانته عند الله ﷿، فالله رفع هذا النبي الكريم، وهذا الرسول العظيم في موقف ويوم عظيم، يوم تدنو الشمس من الرءوس ويشتد الكرب ويدلهمُّ الخطب، ويكاد الناس يموتون عطاشًا، فمنهم من يأتي العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يصل العرق إلى صدره، ومنهم من يصل العرق إلى أذنيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا، كما في الصحيحين والروايات متعددة، (فيذهبون إلى آدم ﵇ فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر أما ترى ما نحن فيه؟ أما تشفع لنا؟ أما تتوسل لنا عند ربك جل في علاه؟ فيقول آدم: نفسي نفسي، إن الله جل في علاه قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله)، فهذا الحديث فيه بيان لصفة عظيمة من صفات الله جل في علاه، ألا وهي: صفة الغضب، وهذه الصفة صفة ثبوتية فعلية تتعلق بالمشيئة؛ لأن الله تعالى يتصف بها في بعض الأحيان ولا يتصف بها في أحيان أخرى، والدليل على ذلك التصريح من قول النبي ﷺ في كلام آدم أنه قال: (غضب اليوم غضبًا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب مثله بعده)، أي أنه ممكن تنفك هذه الصفة عن الله في بعض الأحيان.
إذًا: الغضب الذي غضبه الله جل وعلا يوم القيامة هو غضب قد اتصف به في هذا الوقت، وسينفك عنه بعد عرصات يوم القيامة، بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار.
ثم يقول: (يقول آدم: نفسي نفسي، ويذكر ذنبًا فيقول: قد أكلت من الشجرة، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى أول رسول أرسل إلى البشر، فيذهبون إلى نوح، فيقول: لست لها لست لها، نفسي نفسي، ثم يذكر ذنبًا، ثم يقول: إن الله قد غضب غضبًا لم يغضب مثله قبله ولا بعده، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى أبي الأنبياء إبراهيم ﵇، فيذهبون إلى إبراهيم فيقول: نفسي نفسي، ويذكر الكذبات الثلاث، ثم يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى كليم الرحمن، فيذهبون إلى موسى فيقول: نفسي نفسي، إن الله غضب غضبًا لم يغضب مثله قبله ولا بعده، ويذكر ذنبًا وهو القتل، فيقول: اذهبوا إلى عيسى ﵇، فيذهبون إلى عيسى، فلا يذكر عيسى ذنبًا، ويقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد ﷺ، فهو عبد قد غفر له تقدم من ذنبه وما تأخر، فيذهبون إلى النبي محمد ﷺ فيسألونه أن يشفع لهم في فصل القضاء، فيقول: أنا لها أنا لها، فيذهب إلى تحت العرش فيسجد تحت العرش، يقول: فأحمد الله بمحامد علمنيها في تلك اللحظة، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيشفع حتى يقضي الله بين العباد)، هذه الشفاعة العظمى خاصة برسول الله ﷺ، ولا يشاركه فيها أحد أبدًا، وهذا فيه بيان لفضل وعظمة ومكانة النبي ﷺ عند ربه جل في علاه، ويتجلى معنى حديث النبي ﷺ في هذا الوقت بالذات، قوله ﷺ: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) وذكر يوم القيامة مع أنه سيدهم في الدنيا؛ لأن السيادة يوم القيامة لا منازعة فيها، والكل سيقر بسيادة رسول الله ﷺ، فتكشف الكربات برسول الله ﷺ في ذلك اليوم.
3 / 6