شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد

محمد حسن عبد الغفار ت. غير معلوم
107

شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد

تصانيف

القسم الشركي القسم شركي وهو: القسم بغير الله جل في علاه، كأن يقسم ببشر أو بصنم أو بحجر أو بشجر أو بملك أو بنبي، فهذا القسم قسم شركي، وهذه هي التي حذر منها النبي ﷺ وحث الأمة أن يبتعدوا عنها بقوله ﵊: (من كان حالفًا فليحف بالله)، وهذا أمر يدل على الوجوب، أي: من أقسم بغير الله فقد وقع في الإثم؛ لأنه خالف النبي ﷺ، بل يقع في الشرك لصريح قول النبي ﷺ في حديث ابن عمر: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، وأيضًا لقول النبي ﷺ: (من حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله). فالمراد: أن هذا قسم شركي، ثم هل هو شرك أكبر أم أصغر؟ على تفصيل والأصح: أن الأصل في القسم بغير الله أنه شرك أصغر؛ لأمور: أولًا: أن النبي ﷺ قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، ودلت القرائن بأن النبي ﷺ أراد بقوله: (فقد أشرك) أي: الشرك الأصغر؛ لأنه جعل له كفارة، والشرك الأكبر لا كفارة له، أما الشرك الأصغر فله كفارة، وهي ما في قول النبي ﷺ: (من حلف باللات فليقل: لا إله إلا لله)، فجعل له كفارة، فهذه دلالة أولى. ثانيًا: أن النبي ﷺ نهى عن الحلف فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)، ولم يبين ويفصل أن هذا شرك يخرج من الملة. أما إذا جاءنا الإيراد على أنه ذكر في حديث آخر الشرك، قلنا: قد فسره بذكر الكفارة أنه شرك أصغر. فالحاصل إذًاَ: أن الأصل في القسم بغير الله أنه شرك أصغر، وهذا يعد اتفاقًا لأهل العلم من المتقدمين، لكن خالف الشوكاني كل أهل العلم وقال: إن الأصل فيه أنه شرك أكبر. ولو قلنا بقوله لكفر وخرج من الملة ثلاثة أرباع أهل الاسكندرية أو أكثر؛ لأن كل واحد منهم يقول في قسمه: بشرفي، بشرف امرأتي، بشرف أمي، بشرف كذا، أي: أن الشرف عندهم أغلى ما يقسمون به، فلو قلنا بقول الشوكاني فجل أهل مصر كفروا. والصحيح الراجح: أن القسم بغير الله شرك أصغر لا شركًا أكبر، لكنه يرتقي إلى الشرك الأكبر بفعل القلب؛ لأن القاعدة عند العلماء تقول: كل معصية أو كل شرك أصغر يمكن أن يرتقي إلى الشرك الأكبر بفعل القلب، وذلك أننا قلنا: القسم أصله وركنه التعظيم، فمن عظم غير الله تعظيمه لله فقد أشرك شركًا أكبر. إذًا: فيكون القسم شركًا أكبر إذا أقسم المرء بغير الله معظمًا له كتعظيمه لله، أو معتقدًا تعظيمه كتعظيم الله جل في علاه، وإن قال قائل: وكيف تعرف هذا؟ فأمر التعظم مضمر، فهلا شققت عن قلوبهم لتعرف وجود التعظيم من عدمه، فنقول: يمكن بالقرائن المحتفة أن يظهر الشرك الأكبر، وأن يظهر ما كان مستورًا بالقلب، فإن قال: كيف ذلك؟ قلنا: يأتي الرجل فيقف أمام القاضي فيقول له: أقسم بالله، فيقسم بالله كيفما شاء، مرة ومرتين وثلاثًا وأربعًا، ثم يقول له القاضي: أقسم بالبدوي أنك لم تفعل ذلك، فماذا يحدث؟ يقول: لا، ويرتجف أمامه ولا يقسم بالبدوي، فهذه الحالة فيها دلالة وقرينة على أنه يخشى البدوي أشد من خشيته لله، ويلزم منه أنه يعظم البدوي أكثر وأعظم من تعظيمه لله جل في علاه. إذًا: فإذا عظم غير الله فقد أنزل غيره منزلته فيكون مشركًا شركًا أكبر.

10 / 9