الكلام على قوله تعالى ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾
محقق
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
تصانيف
الرُّسُلُ﴾ (١) ومثل ذلك كثير.
فهذا وجه إفادتها الحصر في هذه الآية عَلَى القول المشهور، وهو أن "ما" في قوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (٢) هي الكافة، وأما عَلَى قول من جعلها موصولة، فيفيد الحصر من جهة أخرى، وهو أنها إذا كانت موصولة فتقدير الكلام: أن الذين يخشون الله هم العُلَمَاء، وهذا أيضًا يفيد الحصر فإن الموصول يقتضي العموم لتعريفه، إذا كان عامًا لزم أن يكون خبره عاما أيضًا؛ لئلا يكون الخبر أخص من المتبدأ، وهذا النوع من الحصر يسمى حصر المبتدأ في الخبر.
ومتى كان المبتدأ عامًا فلا ريب في إفادته الحصر.
وأما دلالة الآية عَلَى الثالث، وهو نفي العِلْم عن غير أهل الخشية فمن جهة الحصر أيضًا، فإن الحصر المعروف المطرد هو حصر الأول في الثاني، وهو هاهنا حصر الخشية في العُلَمَاء، وأما حصر الثاني في الأول فقد ذكره الشيخ أبو العباس ابن تيمية ﵀ وأنه قد يكون مرادا أيضًا فيصير الحصر من الطرفين، ويكونان متلازمين، ومثل ذلك كقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ (٣). ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ (٤). ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ (٥).
قال: وكذلك الحصر في الآية، أعني قوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (٦)، فيقتضي أن كل من خشي الله فهو عالم، أو يقتضي حال من يخشى الله.
_________
(١) المائدة: ٧٥.
(٢) فاطر: ٢٨.
(٣) يس: ١١.
(٤) النازعات: ٤٥.
(٥) السجدة: ١٥ - ١٦.
(٦) فاطر: ٢٨.
2 / 783