العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

مدحت آل فراج ت. 1435 هجري
85

العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

الناشر

دار الكتاب والسنة

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م

مكان النشر

باكستان

تصانيف

المعرفة والنطق شرطان في النجاة: قال القاضي عياض ﵀: اختلف الناس فيمن عصى الله -تعالى- من أهل الشهادتين فقالت المرجئة لا تضره المعصية مع الإيمان، وقالت الخوارج تضره ويكفر بها. وقالت المعتزلة يخلد في النار إذا كانت معصيته كبيرة ولا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر ولكن يوصف بأنه فاسق، وقالت الأشعرية بل هو مؤمن وإن لم يغفر له عُذب فلا بد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة. قال وهذا الحديث حجة على الخوارج والمعتزلة، وأما المرجئة فإن احتجت بظاهره قلنا محمول على أنه غفر له أو أخرج من النار بالشفاعة ثم أدخل الجنة فيكون معنى قوله، ﷺ، دخل الجنة أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة وفي قوله، ﷺ: وهو يعلم إشارة إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة إن مظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه وقد قيد ذلك في حديث آخر بقوله، ﷺ: "غير شاك فيهما" وهذا يؤكد ما قلناه. قال القاضي: وقد يحتج به أيضًا من يرى أن مجرد معرفة القلب نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لآفة بلسانه أو لم تمهله المدة ليقولها بل اخترمته المنية ... فنقرر أولًا إن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب في مشيئة الله -تعالى- وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصًا من قلبه الشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائبًا أو سليمًا من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه وحرّم على النار بالجملة ... ويمكن أن تستقل الأحاديث بنفسها ويجمع بينها فيكون المراد باستحقاق الجنة ما قدمناه من إجماع أهل السنة أنه لا بد من دخولها لكل موحد إما معجلًا معافى وإما مؤخرًا بعد عقابه، والمراد بتحريم النار تحريم الخلود خلافًا للخوارج والمعتزلة ... -قال النووي- هذا آخر كلام القاضي ﵀ وهو في نهاية الحسن (١) اهـ.

(١) صحيح مسلم بشرح النووي جـ: ١ ص: ٢١٧: ٢١٩.

1 / 99