الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد (١٢١)
سنة النشر
السنة (٣٥) ١٤٢٤هـ
تصانيف
له ضمرة أيه الملك ليس المرء بحسنه وجماله، وبهائه وكماله وهيئته وثيابه، لا والله حتى يشرفه أصغراه لسانه وقلبه، وقد قال الشاعر:
وما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومقوله والجسم خلق مصور ١
فلتك العبارات التي ذكرها ضمرة أثرها على المنذر، إذ كشفت له عن شخصية تحمل صورة باطنة خلاف الصورة الظاهرة.
فهو ذلق اللسان، فأشار بكلامه إلى قلبه ولسانه، فبهما تكون قيمة المرء لا بجسمه ومظهره فقط، والمستمع لهذه الألفاظ الأدبية في هذا الموقف يجد أثر الكلمة على عواطفه قد أينعت، فجاذبت عواطفه نحو خصال تربوية هي الاهتمام بالناس دون النظر إلى مظاهر هم، والتفاعل مع عوائدهم لا مع صورهم.
فالتفاعل العاطفي مع اللغة الأدبية له تأثيراته وإيقاعاته على النفس البشرية فيربي فيها ما لا يتوقع من مكارم الأخلاق.
وفي صورة أخرى تصف كلمات أدبية شيئًا، قد لا يأبه به الإنسان لصغر حجمه ورخص ثمنه، فيتجاهل قيمته وأثره العظيم، ولكن بالوصف الجميل والكلمات الرصينة والعبارات المنمقة وسِعَةِ الخيال ما يجعل النفوس تتفاعل مع ذلك الموصوف وتعرف له قدره بما يزيل غبارًا قد أنسى فضله.
وهذه المقطوعة الأدبية تحكي أن بعض الكتاب أهدى إلى أخ له أقلامًا وكتب إليه: (إنه أطال بقاءك! لما كانت الكتابة قوام الخلافة، وقرينة الرياسة، وعمود المملكة وأعظم الأمور الجليلة قدرًا، وأعلاها خطرًا، أحببت أن أتحفك من آلاتها بما يخف عليك محملة وتثقل قيمته، ويكثر نفعه، فبعثت إليك أقلامًا من القصب النابت في الأغذاء المغذو بماءِ السماء، كاللآلئ المكنونة في الصدف والأنوار المحجوب بالسدف، تنبو عن تأثير الأسنان، ولا يثنيها غمز البنان. كما
_________
١ المرجع السابق، ص (١٢٢) .
1 / 470