وقد رأيت من أتباع الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من يقول أقوالًا ويكفِّر من خالفها، وتكون الأقوال المخالفة هي أقوال أئمتهم بعينها، كما أنهم كثيرًا ما ينكرون أقوالًا ويكفرون من يقولها، وتكون منصوصة عن النبي ﷺ، لكثرة ما وقع من الاشتباه والاضطراب في هذا الباب، ولأن شبه الجهمية النفاة أثّرت في قلوب كثير من الناس، حتى صار الحق الذي جاء به الرسول - وهو المطابق للمعقول - لا يخطر ببالهم ولا يتصورونه، وصار في لوازم ذلك من العلم الدقيق ما لا يفهمه كثير من الناس، والمعنى المفهوم يعبر عنه بعبارات فيها إجمال وإبهام يقع بسببها نزاع وخصام" (^١).
وقال أيضًا: "فالذين يسلكون طريقة ابن كلاب كصاحب الإرشاد [أي: إمام الحرمين الجويني] ونحوه يذكرون قول المعتزلة وقول الكرامية ويبطلونهما، ثم لا يذكرون مع ذلك إلا ما يقولون فيه: "وذهبت الحشوية المنتمون إلى الظاهر إلى أنّ كلام الله تعالى قديم أزلي، ثم زعموا أنه حروف وأصوات، وقطعوا بأن المسموع صوت القراء ونغماتهم عين كلام الله تعالى، وأطلق الرعاع منهم القول بأن المسموع صوت الله، تعالى الله عن قولهم! وهذا قياس جهالاتهم. ثم قالوا: إذا كتب كلام الله بجسم من الأجسام رقومًا ورسومًا وأسطرًا وكلما فهي بأعينها كلام الله القديم، فقد كان إذ كان جسمًا حادثًا ثم انقلب قديمًا".
(^١) درء تعارض العقل والنقل (٢/ ٣٠٧ - ٣٠٩).
1 / 219