صفة جزيرة الأندلس
الناشر
دار الجيل
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
بيّاسة
بالأندلس أيضًا: بينها وبين جيان عشرون ميلًا، وكل واحدةٍ منهما تظهر من الأخرى؛
وبياسة على كديةٍ من ترابٍ، مطلةٍ على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة، وهي مدينة ذات أسوارٍ وأسواقٍ ومتاجر، وحولها زراعات، ومستغلات الزعفران بها كثيرة.
وفي سنة ٦٢٣، ملك الروم بياسة يوم عرفة من ذي حجتها، وكان صاحب جيان إذ ذاك عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن، قد تغير له عبد الله العادل بن المنصور، صاحب إشبيلية، فخافه فخرج إلى بياسة ودخلها، وكلم أهلها في مساعدته وامتناعه بهم، إلى أن يأخذ لنفسه الأمان، فساعدوه على مراده، ومنعوه عن رأيه، فجهز إليه العادل العساكر، وقدم عليهم إدريس بن المنصور؛ فلما نزلوا بظاهر بياسة مكثوا عليها أيامًا، والزمان شاتٍ، فلم يغنوا شيئًا؛ وأرد عبد الله صاحب بياسة تفريق ذلك الجمع بما أمكن، فداخله بأن صالحة على أن يدفع له ابنًا صغيرًا ليكون رهينة لديه بطاعته؛ فوجد إدريس السبيل إلى الانصراف عنه، وكان أكبر همه؛ إذ قد جهده وأصحابه شدة البرد ونزول المطر، إلى ما كانوا يخافونه من مد النهر، ووصول روم طليطلة، الذين كانوا أولياء لصاحب بياسة، وأنصارًا له؛ فخاف أن يدعو بهم، فيلبوه، إذ كان حصل من أنفسهم محلًا كثيرًا لشجاعته؛ فارتحل أبو العلاء لذلك، ورأى أنه قد صنع شيئًا، وأنه قد أقام عذره فلما وصل إلى إشبيلية، استقصر فعله، واستهجن رأيه، وبقي عندهم كالخامل المتخوف.
1 / 57