الحد الفاصل بين الإيمان والكفر
الناشر
الدار السلفية
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
مكان النشر
الكويت
تصانيف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحد الفاصل بين الإيمان والكفر
صفحة غير معروفة
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله حمدًا يرضيه، من عبد عاجز عن شكره إذ ما من خير إلا بتوفيق منه وإعانة، وبالتوفيق لحمده تتجدد نعمة جديدة تحتاج إلى شكران.
والصلاة والسلام على إمام الهدى والرحمة، سيد الأولين والآخرين الذي لا يكمل إيمان إنسان إلا بأن يكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين. وبعد،
فلقد اختلط عند كثير من المسلمين أمر الإيمان بالكفر فأصبح بعضهم يطلق لفظ (الكافر) على من لا يجوز أن يطلق عليه.. وهذا أمر خطير جدًا لأن رسول الله ﷺ يقول: [من قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما] والمعنى أنه إن كان كافرًا حقًا فهي
1 / 5
شهادة من مسلم بالكفر على من هو كافر حقًا، وإن كان المسبوب غير ذلك أي لم يكن كافرًا فقد رجع الحكم على قائله. وفي هذا يقول الرسول ﷺ: [ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلًا بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه] رواه مسلم.
وقد رأيت أيضًا من يشهد بالإيمان لأناس ممن ينسبون إلى الإسلام وهم يقولون بألسنتهم، ويعملون ما يشهد عليهم بالكفر ومخالفة جماعة المسلمين. وهذا أيضًا أمر خطير عظيم الشأن لأنه يدخل في أمة الإسلام من ليس منهم، ولأن كثيرًا من الفضلاء وطلبة العلم الشرعي الإسلامي يقعون عن جهل في أمور قد حكم الله في كتابه أن فاعلها كافر، وأنها لا تتأتى من مسلم أبدًا، وقد رأيت كثيرًا من هؤلاء يقعون في مثل هذه الأعمال، فإذا بينت له بالدليل أن ما فعله يعد كفرًا، وأنه يحب أن يتوب منه لله ﵎ تعجب.. وكثير منهم رجع بحمد الله.
ولذلك فإني قد رأيت من واجبي توضيح هذا الأمر الخطير في رسالة ميسرة سهلة. ألتزم فيها -بحول
1 / 6
الله وقوته- الأسلوب العلمي اللائق بعلاج مثل هذه الأمور الخطيرة، وأسأله تعالى أن يجنبني الهوى، ويعصمني الزلل إنه هو السميع العليم. ولن أعتمد الأساليب العقيمة، والاصطلاحات الكلامية والمجادلات الفلسفية.
فهذه الرسالة لعامة المسلمين الذين يجهلون هذه الأمور الخطيرة والله أسأل التوفيق والسداد.
عبد الرحمن عبد الخالق
الكويت في ٣ جمادى الآخرة سنة ١٣٩٣هـ
الموافق ٣ يوليو ١٩٧٣م
1 / 7
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله الذي بنوره تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبيه، الداعي إلى الهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله سبحانه وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد، وبعد:
فإن هذا الكتاب -أخي القارئ- الذي بين يديك كنت قد كتبت فصوله على عجل يوم اشتدت فتنة التكفير وشاعت القالة بأن كل المجتمعات الآن مجتمعات كافرة، وشرع من قالوا هذا القول يجمع كل فرد منهم حوله مجموعة قليلة العدد توافقه على معتقده، وظنت كل مجموعة منهم أنهم وحدهم جماعة المسلمين، وأن غيرهم إما كفار أو مجهولي الهوية والدين، وإن رأوهم يصلون ويصومون ويشهدون أن لا إله إلا الله، بل ويدعون إلى الإسلام ويجاهدون في سبيل الله ما داموا لم يبايعوا أميرهم ويدخلوا في عقيدتهم!! وظن
1 / 9
أولئك أيضًا أن حقيقة الإسلام قد ضاعت منذ عصر الراشدين وإلى يوم ظهورهم هم حيث ظنوا أنهم فهموا من الإسلام وطبقوا منه ما لم يفهمه سلف الأمة ويطبقوا، وقالوا أن الزمان استدار كهيئته يوم بعث محمد ﷺ مبشرًا بهذا الدين، فكما أنه بعث في أقوام من الكفار يدعون إلى الهداية في الدين ولم يكونوا كذلك، فكذلك هم قد خرجوا في كفار يدعون الإسلام وليسوا بمسلمين!!
وكان لهذا الكتاب بحمد الله أثر بالغ في قمع هذه الفتنة العمياء فقد عصم الله به كثيرًا من شباب الجيل الإسلامي المعاصر، وهدى الله به من شاء له الهداية، والحمد لله على منه وتوفيقه.
وكذلك هدى الله بهذا الكتاب والحمد لله وحده خلقًا كثيرًا ممن اكتفوا بالنسبة للإسلام فقط ولم يقيموا الإيمان الواجب والشريعة الواجبة، فشرعوا يدخلون في الدين دخولًا حقيقيًا.
وكنت أتمنى منذ أن كتبته أن ييسر الله أن ألحق به فصلًا هامًا، وهو موقف المسلم من إخوانه المسلمين، أعني وجوب الموالاة بين المؤمنين، وكذلك
1 / 10
موقفه من الكافرين على اختلاف مواقفهم من المسلمين، أعني وجوب البراء من الكافرين، وقد يسر الله أن ينزل هذا الفصل في رسالة مستقلة بعنوان (الولاء والبراء) . وقد جاء الوقت بحمد الله الذي يسر الله فيه جمع هاتين الرسالتين في رسالة واحدة، وبهذا يتضح السبيل لإخواننا في التمييز بين المسلم والكافر، وحقيقة الإيمان وحقيقة الكفر، وفي كيفية موالاة المسلم لأخيه المسلم، وكيفية براءته من الشرك والكفر وأهله.
وعلى عادتي حاولت ما أمكنني أن أكتب بأيسر عبارة مستطاعة لي ليفهم هذه الحقيقة أكبر عدد ممكن ممن يقرؤها.
هذا وأسأل الله ﷾ أن ينفعنا بما علمنا وأن يقينا وإخواننا المؤمنين سبل الغواية وطريق المتنطعين الهالكين والمفرطين الضالين، والحمد لله رب العالمين.
بنها: السادس من رمضان المبارك سنة ١٤٠١هـ
الموافق ٨/٧/١٩٨١م
عبد الرحمن عبد الخالق
1 / 11
الفصل الأول
أولًا: مدخل إلى الموضوع
قبل عرض القضايا التي سيتحدد الحكم بعدها لا بد أولًا من فهم مدلول هاتين الكلمتين: الإيمان، والكفر، ثم إرساء القاعدة المعلومة وهي: التفريق بين الكفر والكافر، وذلك أن الكفر قد يصدر قولًا أو فعلًا ممن لا يجوز أن نحكم عليه بالكفر "وسيرى القارئ بحول الله بيانًا تامًا لهذه القاعدة بأدلتها.
1 / 13
الإيمان ما هو؟ وما حقيقته؟
لنفهم مدلول كلمة ما -وردت في القرآن أو السنة- لا بد من معرفة لمدلولها العربي أولًا، ثم نتتبع استعمال الشارع لها في أوضاعها المختلفة. ولا يجوز بتاتًا أن نجعل عرف الناس في زمان ما أو مكان ما -غير زمن التشريع- حكمًا على اللفظ. وهذه الكلمة (الإيمان) من الكلمات التي لا يجوز تفسيرها إلا بالمعاني التي أرادها الله، وأرادها الرسول ﷺ وبهذا يتحدد معناه الشرعي.
إذا تتبعنا وجوه استعمال هذه اللفظة لكتاب الله وجدنا أنها تدور على قطبين أساسيين:
(أ) الأول التصديق.
(ب) الثاني العمل أو الالتزام بالعمل.
1 / 14
فمن أدلة المعنى الأول قول الله لإبراهيم عندما طلب منه أن يريه كيف يحيي الموتى: ﴿قال أو لم تؤمن﴾؟ ﴿قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ (البقرة: ٢٦٠)، وقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف الذين جاءوا أباهم عشاء يبكون وقد حملوا معهم قميص أخيهم يوسف ملطخًا بالدم: ﴿وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين﴾ (يوسف: ١٧) أي بمصدق خبرنا في أكل الذئب ليوسف. وكذلك قوله تعالى حكاية عن فرعون عندما أتاه الغرق وأيقن بالهلاك: ﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾ (يونس: ٩٠) أي صدقت وأسلمت. ولا يخفى أن آمن تتعدى إلى مفعولها بحرفي جر الباء واللام. فأقول آمنت بالله أي صدقت بأسمائه وصفاته وأذعنت له وآمنت للرسول الذي يدعونا إليه أي صدقت بخبره الذي يخبر به عن ربه. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وما أنت بمؤمن لنا﴾ (يوسف: ١٧) أي بمصدقنا، ومنه أيضًا قوله تعالى: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ (يونس: ٨٣) أي ما صدق خبره بالخروج من مصر وإعزاز بني إسرائيل وإهلاك الله لفرعون على يدي موسى إلا شباب وصغار من بني إسرائيل.
1 / 15
وبهذا يظهر الشق الأول لمعنى الإيمان وهو التصديق بخبر الله وخبر رسوله ﷺ، وقد جمع الرسول ﷺ أصول ذلك في الحديث الصحيح وذلك عندما سأله جبريل عن الإيمان قال: [أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى] (حديث جبريل المشهور رواه مسلم) .
وأما الشق الثاني لمعنى الإيمان فهو العمل نفسه أو الالتزام بالعمل وأعني بالعلم (عمل الإيمان) أي مجموعة الأعمال التي يسمى صاحبها مؤمنًا ومجموعة المخالفات التي يسمى تاركها مؤمنًا.
فما ورد من القرآن قوله تعالى ردًا على من قال من المسلمين: ما شأن إخواننا الذين ماتوا ولم يصلوا إلى الكعبة؟ وذلك بعد أن حولت القبلة إلى الكعبة بعد بيت المقدس قال تعالى: ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم﴾ (البقرة: ١٤٣) .
1 / 16
قال العلماء (إيمانكم) أي صلاتكم، أي وما كان الله ليضيع صلاتكم السابقة إلى بيت المقدس لأنه هو الذي أمركم بها وكذلك قول الرسول ﷺ: [الإيمان بضع وستون شعبة: أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق] (أبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه البخاري بضع وستون)، فقد سمى الرسول ﷺ هنا جميع أعمال الإسلام من الشهادتين إلى أدنى عمل وهو رفع الأذى عن طريق المسلمين إيمانًا.
وقد جاءت الآيات الكثيرة جامعة بين المعنيين وذلك في وصف المؤمنين ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون﴾ (الحجرات: ١٥) .
وبهذه الآية يتحدد معنى الإيمان بشقيه فالإيمان هو التصديق بالله ورسوله وعدم الشك في ذلك والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله. ولا شك أن الجهاد يشمل ما دونه من أعمال الإسلام لأن الجهاد هو الذروة من أعمال الإسلام، فلا ينبعث الجهاد في سبيل الله تارك
1 / 17
للعمل الواجب كالصلاة والزكاة والحج مثلًا وقول الله ﴿أولئك هم الصادقون﴾ يوحي بأن هناك من يدعي هذه الدعوى بلا برهان، وهم كاذبون في دعواهم، أو لم يتصوروا حقيقة الإيمان تصورًا صحيحًا وظنوها مجرد إعلان باللسان والآية هذه نازلة في قوم على هذا النحو، وكون هذه الآية بأسلوب الحصر ﴿إنما﴾ يفيد أن من ليس كذلك ليس مؤمنًا، وانظر أيضًا إلى ما يشبه هذه الآية من كتاب الله:
قال تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقًا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم﴾ (الأنفال: ٢-٤) .
فوجل القلب أي خوفه وخشيته وزيادة الإيمان أي التصديق في القلب وتأكيده، والتوكل على الله. كل هذا استجابة حسية يحسها القلب المؤمن، ومعنى هذا أن الإيمان ليس مجرد تصديق خامل في القلب وإنما هو تصديق مستجيب حي. ثم يأتي بعد ذلك إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وهما عملان من أعمال الإيمان ويعقب الله على هذا بقوله:
1 / 18
﴿أولئك هم المؤمنون حقًا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم﴾ والآية قد جاءت هنا أيضًا بأسلوب الحصر ﴿إنما المؤمنون﴾ ثم عقب الله بقوله: ﴿أولئك هم المؤمنون حقًا﴾ ليفيد بأن هناك إيمانًا غير حق، إيمانًا باطلًا، وستعلم أن هذا الإيمان الباطل. إما أن يكون دعوى بلا دليل عليها، أو أنه التصديق بخرافة ووهم.
وبهذا نفهم أن الإيمان في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ له معنيان:
الأول: هو تصديق خبر الله تعالى وإخبار رسوله ﷺ.
الثاني: هو الالتزام بالأوامر التي أمر الله بها هؤلاء المصدقين.
وهنا سنصل إلى هذا السؤال: هل يجوز أن نحكم بالإيمان لمن صدق بقلبه فقط، ولم يلتزم بالعمل؟ وبمعنى آخر هل يكون مؤمنًا ناجيًا من شهد أن لا إله إلا الله بقلبه، ولكنه لم يعمل ما أمره الله به؟ ولم ينته عما نهاه الله تعالى عنه؟
والجواب على ذلك يتضح -إن شاء الله- بما
1 / 19
يلي:
إن الفصل بين عقيدة القلب (تصديقه) وبين الإذعان، والتسليم لأمر الله وفعل ما يطلبه سبحانه من المؤمن، فصل لتقريب هذه الدراسة من الفهم، وليس له في الواقع حدوث ولا ظل فإنه لا يتصور عقلًا وجود إنسان ما يسمع كلام الله يقول له: أي عبدي إن هناك يوم قيامة، فيه سأحاسبك على أعمالك فإن أحسنت أدخلتك الجنة، وإن أسأت أدخلتك النار، ثم يقول ردًا على ذلك: أي رب إن أصدق كلامك، وأؤمن بما تقول، ولكني أعتذر عن العمل بأوامرك لأنني كسول.. وقد أوضح هذه المسألة الإمام ابن القيم ﵀ حيث يقول: لا يعقل إيمان رجل يعلم وجوب الصلاة، ويسمع نداء الله ﵎ كل يوم وليلة من حياته يناديه: حي على الصلاة، وهو لا يستجيب لهذا النداء مرة واحدة في حياته.. ولقد كنت أضرب مثلًا لإخواني على هذه الحقيقة فأقول لهم:
- يا إخوة! أرأيتم لو أن قائلًا قال لنا ونحن جلوس الآن إن هذا المكان تحيط به النار وإن لم تفروا الآن لحقت بكم وأهلكتكم أيبقى منا أحد -يصدق هذا الخبر- إلا بادر بالخروج والهرب؟؟ أو يعقل أن ترى
1 / 20
بيننا إنسانًا يقول لذلك النذير يا أخ لقد سمعنا مقالتك وفهمنا تحذيرك، ولكنني أعتذر عن القيام من مكاني لأنني كسلان!.. إذا وجد شخص بهذا الطراز فإنما هو مجنون أو مكذب بالخبر، ويستحيل أن يوجد عاقل يصدق هذا الخبر، ويرد هذا الرد.
إن إيمان القلب وامتثال الجوارح، أعني الإذعان والمسارعة إلى فعل المأمور به قضية واحدة لا انفصال لها، فإن وجد الإيمان في القلب فإن صاحب هذا الإيمان سيبادر فورًا إلى العمل والإمتثال، وهذا دليل عقلي واضح لا يماري بعده مقلد أعماه التقليد، أو جاحد أو جاهل.
هذا وهناك أحاديث للرسول ﷺ يفهم منها للنظر البادئ أن إيمان القلب وتصديقه يؤهل لدخول الجنة بعد عذاب في النار لا يعلم أمده إلا الله، وأنه لا يخلد في النار خلودًا أبديًا كخلود الكفار المكذبين، وسأعرض لهذه الأحاديث في ختام هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.
والمهم هنا هو إثبات أن تارك العمل مستحق للدخول في النار، وهو من جملة المعاقبين قطعًا، وأما مسألة الخلود فمسألة أخرى حقيقتها ثانوية، وقد كان
1 / 21
لسوء فهمها من جمهور المسلمين الأثر الأكبر في خروج طوائف كثيرة منهم من حقيقة الإيمان إلى الكفر وهم لا يشعرون.
فناقش أخي المسلم نفسك: هل أنت حقًا مؤمن بالله؟؟ فإن كنت لا تؤدي ما فرض الله عليك فراجع إيمانك.. وسل نفسك دائمًا هل أنت مؤمن بالجنة حقًا؟ فإن كنت مؤمنًا فلماذا تقعد عن طلبها؟ وهل أنت مؤمن بالنار حقًا؟ فإن كنت مؤمنًا فلماذا تذهب بأقدامك إليها؟ وهل أنت بعد ذلك مؤمن بالله الواحد الأحد.. فلم لا تسعى إلى مرضاته؟ لم لا تحبه؟ لم لا تطيعه؟.
واعلم أن رسول الله ﷺ لو أرادها من الناس كلمة لا امتثال بها لسارع الناس إلى ذلك ولكنه أراد ما بعد الكلمة من أمثال ولذلك أخذ العهود من الأنصار على النصرة، ومن المهاجرين على بذل المال وعلى الهجرة ومنها على الموت في سبيل الله. وأنه ما وعد كل أولئك إلا الجنة بعد كل هذا العمل والجهاد.. فهل يظن بعض ضعاف النفوس أن تكون بعدها عناء في ركعات وسجدات، ولا يخرج من ماله قرش في سبيل الله، ولا يقول لله كلمة حق، ويزعم بعد ذلك أن الجنة من نصيبه. هيهات.. هيهات.. الإيمان عقيدة
1 / 22
والتزام، تصديق وعمل. وليس هناك إيمان بغير هذا.
موضوع الإيمان وشرطه:
عرفنا أن الإيمان تصديق وعمل، وأنهما لا ينفكان، فإذا وجد التصديق وجد العمل، وإذا انتفى التصديق انتفى العمل، فما مضمون هذا التصديق؟ وما موضوعه؟ ما الأخبار التي يجب على المؤمن التصديق بها؟
هذا التصديق يشمل جميع ما أخبره به الله ﷾ من أمور الغيب وكذلك ما أخبر به الرسول ﷺ.
ومن كذب الله في جزء واحد مما أخبر به فقد نقض إيمانه وسيأتي بيان هذا -إن شاء الله تعالى- في مناقضات الإيمان. ولكن ليدخل المؤمن باب الإيمان لا بد وأن يعتقد بأصول لازمة تتضمنها هذه الكلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فما هذه الأصول اللازمة؟
(أ) أن يعتقد أن خالق هذا الكون ومسير أموره إله واحد أحد حي قدير يتصف بصفات الكمال والجلال ويتنزه عن كل صفات النقص والعيب، وأنه لم يشاركه
1 / 23
أحد وليس له صاحبة ولا ولد وإن كان ما سواه فهو عبد مقهور مربوب له سواء كان ملكًا أو رسولًا، أو جنيًا أو أي شيء آخر.
(ب) أن يعتقد أنه لم يخلق هذا الكون سدى ولا عبثًا -لأنه تنزه عن اللعب والعبث- وإنما خلقه لغاية وهذه الغاية هي قيام المؤمنين لربهم بالعبادة والطاعة، وأن الكافرين الذين لم يذعنوا لربهم ولم يؤمنوا به ملعونون مطرودون من رحمته.
(ج) أن يعتقد أن من حق الله تعالى أن ينظم ويشرع لخلقه لأنه هو الخالق الموجد، قال تعالى: ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ (الأعراف: ٥٤) فما دام أن الخلق له فيجب أن يكون الأمر له. فالتشريع في جميع صوره حق لله تعالى والتعقيب على حكمه بالإلغاء أو الإبطال كفر به ونقض للإيمان السابق.
(د) أن يعبد الله وحده بما شرعه سبحانه من عبادات، ويدعوه ويرجوه وحده، وأن لا يتخذ في دعائه -بينه وبين الله- واسطة لأنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه. ويقبل التائبين ويحب المستغفرين. ومن اتخذ إلى الله واسطة ميتة يدعوها من دون الله فقد أشرك مهما كانت منزلة هذه الواسطة.
1 / 24
(هـ) أن يصدق بالبعث والجنة والنار وبكل ما قص الله من أخبار سالفة أو آتية دون الرجوع في ذلك إلى عقله وقياسه فما وافق عقله قبله وما خالفه رده لأن هذا نقض للإيمان.
وذلك أن أعمال العقل في شأن الإيمان يكون أولًا بالتعرف على صدق الرسول فيما يخبر به عن ربه فنحن نفتش عن الرسالة ونستقصي خبرها حتى نعلم يقينًا أن الرسول صادق فإن آمنا بصدقه أخذنا أخباره الغيبية بعد ذلك دون ردها إلى عقولنا ومفهومنا لأن العقل لا يفهم إلا الواقع المشاهد، ويستبعد غير المألوف المعتاد وإلا فما هي المعقولية والقياس بالنسبة للصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف، ومع ذلك يمر المؤمنون عليه كالبرق وكالطرف وأجاويد الخيل والركاب.. وما المعقولية في أن يدفن رجلان في قبر واحد فيكون أحدهما في روضة من رياض الجنة والآخر في حفرة من حفر النار؟!
هذه أصول عقيدة الإسلام الذي لا يعتد بإيمانه أحد يخالف أصلًا منها، وهذا هو المضمون لشهادة أن لا إله إلا الله، والذي يجب على كل مسلم التصديق به. وبهذا نكون قد عرفنا مضمون الشطر الأول من
1 / 25