الزبد في مصطلح الحديث
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع-عمان
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
الأردن
تصانيف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾. (^١)
والصلاة والسلام على رسوله الأمين سيدنا محمد القائل: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"، (^٢) وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلما كانت السنة النبوية الشريفة هي المصدر الثاني في التشريع، لذا فقد اعتنى علماؤنا الأوائل خلفًا عن سلف بتصحيحها وتدقيقها وضبطها رواية ودراية، متنًا وسندًا، وذلك خشية الوقوع فيما هو غير ثابت عن الشارع الحكيم، وأُلفت في ذلك المؤلفات المسماة بعلم المصطلح، وهذه المؤلفات فيها المطولات كتدريب الراوي للسيوطي، والألفية له، ومقدمة ابن الصلاح، وغيرها كثير، ومنها المختصرات وهي كثيرة أيضًا، منها على سبيل المثال: البيقونية وشروحها، ونخبة الفكر مع شرحها للحافظ ابن حجر
_________
(^١) سورة النحل، آية ٤٤.
(^٢) رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة (٤٦٠٤) عن المقدام معدي يكرب في رسول الله ﷺ أنه قال: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".
1 / 1
العسقلاني، وتيسير مصطلح الحديث لمحمود الطحان، وقد راعى المتأخرون ﵏ في هذه المختصرات التسهيل للطلاب، وخاصة طلاب المعاهد والجامعات، وهذه المنظومة التي بين أيدينا للشيخ عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر الملا مع شرحها للشيخ فضل الرحمن صافي، ويجد القارئ في هذه المنظومة جانبًا من الاختصار غير المخل مع جزالة الألفاظ وسلامة الأسلوب، ويهذا من صفات العالم الرباني الذي يعلم تلاميذه مسائل العلم، صغيرها قبل كبيرها تدرجًا مع إدراك الطالب.
فنجد أن مشايخنا الأحسائيين ﵏ كانت لهم عناية كبيرة بهذا العلم المنيف، وكان لهم حظ وافر في علم الرواية والدراية إلى أيامنا هذه ولله الحمد والمنة، وقد تركوا لنا تراثًا حديثيًا ليكون أمانة في أعناقنا لنخرجه إلى النور فنستفيد ونفيد، ومما ترك لنا أولئك السادة الأسلاف في هذا العلم الشيء الكثير، ومنه على سبيل المثال: مختصر الإمام البخاري للعلامة الشيخ محمد بن عمر بن عبد الرحمن الملا.
وأما الشيخ أبو بكر بن الشيخ محمد الملا فله مؤلفات كثيرة في هذا العلم، ومنها على سبيل المثال: شرح صحيح الإمام البخاري، وشرح شمائل الإمام الترمذي، والرد الفصيح على منكر العمل بالنص الصريح.
1 / 2
وأما الشيخ محمد بن سعيد العمير فله دعاء لختم صحيح الإمام البخاري.
وأما الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر الملا فله منظومته المسماة "إلهام المغيث في أقسام الحديث"، والذي بين يديك شرح لها.
وقد طلب مني الأخ مراد بن عبد الله الملا أن أقدم لهذا الكتاب، ولما لم يسعني مخالفته كتبت هذه الأسطر المختصرة نظرًا لضيق المقام، راجيًا من الله التوفيق وأن ينفع به طلاب العلم، ويجعل عملنًا خالصًا لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب.
وأخيرًا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا للتعلم والتعليم، وخدمة التراث الإسلامي بما يليق بهذا الدين العظيم، ورحم الله شيخنا الناظم وأجزل له المثوبة والأجر، وجزى الله تعالى شارحها كل خير، وغفر لوالديه ونفع بعلومه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
أحمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ أبي بكر الملا
غرة ربيع ثاني ١٤٢٦ هـ - الأحساء
1 / 3
ترجمة الناظم رحمه الله تعالى
اسمه ونسبه: هو العلامة المحدث الفقيه الأديب الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر بن الشيخ عبد الله الملا.
تنسب أسرة الملا إلى بيت الواعظ، الذي يرجع نسبه إلى الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ﵁، كما أشار إلى ذلك العم الشيخ عبد الرحمن في مرثيته لوالده الجد الشيخ أبو بكر ﵏ بقوله:
من قريش آباؤك الغر جاءوا … هم حماة العرين كهف النزيل
لأبي بكر ينتمون ومن تيم … فروع تسلسلت من أصول
نشأته: نشأ شيخنا الناظم ﵀ في بيت عرف بالتقوى والورع والصلاح، فقام والده بتربيته على مكارم الأخلاق، واجتهد عليه وعلى إخوته بتلقينهم القرآن الكريم، والقراءة والكتابة، والفقه، والأوراد النبوية، والعلوم الشرعية.
وكان بيت الشيخ أبي بكر آنذاك مهبط الضيوف من علماء وفقراء وعابري سبيل، كما عرف عن والده إكرامهم والعناية بهم وتلبية حاجاتهم،
1 / 4
وتوفير المسكن والمطعم المناسب لهم، فكان لهذا الأمر وقع وأثر في تكوين شخصية الناظم رحمه الله تعالى.
شيوخه: تتلمذ الناظم ﵀ على والده الشيخ أبي بكر فأخذ عنه القرآن الكريم، والقراءة والكتابة، والفقه وغيره، كما أخذ عن تلميذ والده العلامة الفقيه الشيخ محمد بن عبد اللطيف الملا، وأخذ النحو عن الشيخ عبد اللطيف الجعفري، والشيخ أحمد العلي العرفج، كما قرأ على العلامة الورع الشيخ عبد العزيز العلجي، وأخذ الفقه عن الشيخ محمد الحلبي الحنفي وهو من العلماء الذين وفدوا الأحساء زمن والده.
ثم أرسله والده إلى مكة المكرمة ليكمل دراسته هناك فالتحق بالمدرسة الصولتية وتخرج منها، ولازم علماء الحرم المكي الذي كان عبارة عن جامعة مفتوحة يقصده أكابر علماء الأمة لينشروا علومهم، فأخذ عن العلماء الذين أدركهم في ذلك الوقت ثم رحل للمدينة المنورة فلازم فيها عددًا من مشاهير العلماء آنذاك، وفي هذا الوقت كان ﵀ لا يسمع بشيخ متفنن إلا لازمه وأخذ عنه، ومن أبرز شيوخه الذين تلقى عنهم خارج بلده الأحساء: العلامة المحدث الشيخ عمر حمدان المحرسي في الكتب الستة، والعلامة المحدث المجاهد السيد محمد عبد الحي الكتاني
1 / 5
في الحديث الشريف، والعلامة الفيه الشيخ حسين عبد الغني الحنفي، والعلامة الفقيه الأصولي الشيخ محمد يحيى أمان، كما قرأ على الشيخ الفقيه الصالح بهاء الدين الأفغاني، والعلامة المحدث الشيخ عبد الرؤوف المصري، وأخذ السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي عن العلامة السيد محمد العربي التباني، وقرأ على العلامة الشيخ محمد بن علي بن حسين المالكي في النحو، وأخذ عن السيد الشيخ عباس المالكي، وأخذ عن الشيخ أسعد المالكي.
تلاميذه: لما كان لشيخنا الناظم رحمه الله تعالى إلمامًا بالعلوم الشرعية والعربية ومتعلقاتهما جعل طلاب العلم يؤمونه للأخذ عنه والنيل من علومه والاتصال بأسانيده الحديثية التي تعتبر من أعلى الأسانيد وأرفعها وذلك بعد وفاة شيوخه وأقرانه، فالتف حوله جمع من طلبة العلم الشريف حينما كان مقيمًا في مكة المكرمة، وعندما استقر في مسقط رأسه بلده الأحساء أصبح بيته مقصدًا لطلاب العلم والعلماء ابتداء من الأحساء ونجد والحجاز حتى بقية الدول المجاورة، وكما ذكرنا أن إلمام الشيخ وتفننه في علوم شتى أضف إلى ذلك عنايته بالأدب وقرضه للشعر كل ذلك وغيره جعل للشيخ قبولًا ومكانة عند طلابه وزائريه، فكان
1 / 6
﵀ في تقريره للدرس كثير الشواهد بالشعر والنكت والطرائف المناسبة، لذلك كان مجلسه لا يمل وسامعه يصغي إليه ويستمتع بحديثه.
مؤلفاته: ترك لنا الشيخ ﵀ عدة رسائل وفتاوى متنوعة في فنون عديدة، كما خلف لنا ديوان شعر، ومقطوعات نثرية ومقامات أدبية، وهي في طريقها للنور قريبًا إن شاء الله بعناية سبطيه الشيخ مراد والشيخ رائد ابني عبد الله الملا.
وفاته: توفي شيخنا الناظم رحمه الله تعالى مساء يوم السادس والعشرين من شهر شوال عام ١٤٢٩ هـ عن عمر يناهز ثماني وتسعين عامًا قضاها ﵀ في التعلم والتعليم ومنفعة المسلمين عن طريق الرقية الشرعية ومناصرة المظلومين ورد حقوقهم ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ﵀ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وبارك له في ذريته وأهل بيته وتلاميذه وعموم المسلمين كل خير وعمل صالح.
بقلم تلميذه وابن أخيه
أحمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ أبي بكر الملا
1 / 7
مَتْنُ الأُرجوزَة
"إلهام المغيث في أقسام الحديث"
قال الناظم -رحمه الله تعالى:
يَا سَائِلي عَنِ الحَدِيثِ مُرْتَقِبْ … أَقْسَامَهُ خُذْها بِنَظْمٍ مُقْتَرِبْ
إنَّ الصَّحيحَ مَا سَنَدُهُ اتَّصَلْ … بِلَا شُذُوذٍ وَبضَابِطَيْنَ دَلّْ
وَالحَسَنُ المَعْرُوفُ دُونَ الأَوَّلِ … رجالُه لَا كَالصَّحِيحِ المُعْتَلِي
أمَّا الضَّعيفُ فَهْوَ دُونَ الحَسَنِ … لِفَقْدِهِ شُرُوطَهُ فَاسْتَبِنِ
وَمَا عُزِيْ (^١) إِلَى النَّبِيِّ أَو نُسِبْ … فَذَا هُوَ المَرْفُوعُ فَاحْفَظْهُ تُصِبْ
وَمَا عَلَى قَولِ الصَّحابيِّ قُصِرْ … فَذَا هُوَ المَوقُوفُ يَا ذَا المُبْتَصِرْ
وَمَا بِإسْنَادٍ لَهُ قَدِ اتَّصَلْ … فَذَا هُوَ المَوصُولُ حَيْثُما حَصَلْ
وَمُرْسَلٌ مَا التَّابِعِيُّ قَدْ رَفَعْ … كَقَوْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ المُتَّبَعْ
وَمَا أَتَى عَنْ تَابِعِ مَوْقُوفَا … فَذَاكَ مَقْطُوعٌ أَتَى مَعْرُوفَا
وَمَا لِآحَادِ رُوَاتِهِ سَقَطْ … مُنْقَطِعٌ عَنِ الصَّحِيحِ قَدْ هَبَطْ
_________
(^١) تسكين الياء هنا ضرورة شعرية.
1 / 8
المُعْضَلُ السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ … عَلَى التَّوَالي فَاتَّبِعْ بَيَاني
وَمَا مِنَ الإِسْنَادِ أَوَّلًا حُذِفْ … مُعَلَّقٌ لَا وَسَطٌ بِذَا عُرِفْ
وَمَنْ يَكُنْ لِشَيْخِهِ قَدْ أسْقَطَا … ذاَكَ مُدَلَّسٌ كَمَا قَدْ ضُبِطَا
أمَّا الغَرِيبُ فَهْوَ مَا رَوَاهُ … فَرْدٌ مِنَ الرُّوَاةِ لَا سِوَاهُ
وَمَنْ يَكُنْ قَدْ خَالَفَ الثَّقاتِ … حَديْثُهُ شَذَّ لَدَى الرُّوَاةِ
وَالمُنْكَرُ الَّذِي لِمَتْنِهِ جُهِلْ … مِنْ غَيْرِ رَاوِيْهِ وَلَمْ يَكُنْ قُبِلْ
وَمَا رُوِيْ (^١) مِنْ أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَهْ … عَنْ وَاحِدٍ مُضْطَرِبٌ فَلْتَعْرِفَهْ
وَآخِرُ الأقسَامِ مَا كَانَ وُضِعْ … وَعَزْوُهُ إِلَى النَّبِيِّ قَدْ مُنِعْ
وَنَاظِمُ الأَقْسَامِ لِلْبَيَانِ … هُوَ الفَقِيْرُ عَابِدُ الرَّحْمَنِ
نَجْلُ أبي بِكْرِ الشَّهِيرِ ذِي الحَسَبْ مَنِ ارْتَقَى بِعِلْمِهِ أَعْلَى الرُّتَبْ
عَلَيْهِ رَحْمَةُ الإلَهِ الخَالِقِ … الوَاسِعِ الرَّحْمَةِ لِلْخَلَائِقِ
ثُمَّ صَلَاةُ اللهِ وَالسَّلَامُ … عَلَى الَّذِي ظلَّلَهُ الغَمَامُ
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الأَطْهَارِ … وَصَحْبِهِ مَشَارِقِ الأَنْوَارِ
مَا نَزلَ الوَدْقُ مِنَ السَّحَابِ … وَمَا بَدَى البَدْرُ مِنَ الغِيَابِ
_________
(^١) تسكين الياء هنا ضرورة شعرية.
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناظم ﵀.
(١) يَا سَائِلي عَنِ الحَدِيثِ مُرْتَقِبْ … أَقْسَامَهُ خُذْها بِنَظْمٍ مُقْتَرِبْ
(١) في هذا البيت ينادي الناظم ﵀ الشخص الذي سأله عن أنواع الحديث، ولعل هذا الشخص أحد طلابه ومريديه في تحصيل العلم، وأحد الملتزمين له، نفهم ذلك من أسلوب الخطاب.
ومعنى البيت باختصار: أيها السائل الذي سألتني عن تعريف الحديث، وأنت تنتظر مني بيان أنواع الحديث، إذا اعرف وخذ بيان أنواع الحديث في نظم قريبٍ سهلٍ لا تجد في فهمه صعوبة.
في هذا البيت جاء ذكر الحديث، وأود أن أذكر بإيجاز تعريف الحديث والسنة، ليتبين للقارئ الفرق بينهما، فبعون الله أقول:
الحديث لغة: الجديد ضد القديم، كما يقال: فلان حديث عهد بالإسلام، وقد يطلق على الكلام، كما يقال: سمعتُ حديثك أي: كلامك، ويقال تحدث فلان، أي: تكلم.
والحديث في مصطلح أهل الأثر: ما أضيف إلى رسول الله ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلقية، أو خُلقية، ويطلق كثيرًا على ما أضيف
1 / 10
إلى رسول الله ﷺ من قول.
السنة في اللغة: الطريقة المسلوكة، ولها إطلاقات كثيرة، تارة تُطلق على ما عليه دليل من الكتاب أو السنة، أي: على الحكم الشرعي المأخوذ من الكتاب أو السنة، وتارة تطلق على ما يقابل البدعة.
والسنة عند الفقهاء: ما ليس بواجب، وتطلق السنة على ما استقر عليه عمل الصحابة.
والسنة في اصطلاح أهل الأثر: مرادف للحديث، أي: ما أضيف إلى رسول الله ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، إلا أن السنة كثيرًا ما تطلق على ما أضيف إلى رسول الله ﷺ من أفعال، وبذلك ظهر الفرق بين الحديث والسنة من حيث المعنى اللغوي والاصطلاحي حيث أن الحديث كثيرًا ما يطلق على أقوال النبي ﷺ، والسنة كثيرًا ما تطلق على أعمال النبي ﷺ.
1 / 11
النوع الأول: الصحيح
(٢) إنَّ الصَّحيحَ مَا سَنَدُهُ اتَّصَلْ … بِلَا شُذُوذٍ وَبضَابِطَيْنَ دَلّْ
(٢) بهذا البيت بدأ الشيخ الناظم ﵀ بيان أنواع الحديث، وجدير بالذكر أن الحديث بحسب مصطلحات أهل الحديث يتنوع إلى أنواع كثيرة، ولكل نوع مصطلح أو اسم خاص أطلق عليه علماء الحديث، ولا ينقسم الحديث في نفسه أو في حد ذاته إلا إلى ثلاثة أقسام: الصحيح، الحسن، الضعيف. ولا يُعدُ سائر الأنواع مثل: المرفوع، الموصول، الموقوف، المنقطع أقسامًا للحديث، لأن كل قسم لا يجتمع مع قسيمه، فمثلًا الضعيف لا يجتمع مع الصحيح، فلا يصح أن نقول هذا الحديث صحيح وضعيف. وأما النوع فيجتمع مع نوعه الآخر، فيصح أن نقول: هذا الحديث مرفوع موصول، صحيح، إذًا ما يأتي ذكره في نظم الشيخ ﵀ وجعل الجنة مثواه- ذكر لنا في البيت الثاني من منظومته تعريف الحديث الصحيح، فقال: الصحيح، أي الحديث الصحيح: ما سنده اتصل، أي هو الحديث الذي اتصل سنده بلا شذوذ،
1 / 12
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: لا يكون متنه شاذًا وبضابطين دلَّ، أي: روي برواية ونقلِ رواةٍ عدول ضابطين، فقوله في آخر البيت: وبضابِطِينْ هو بصيغة الجمع المذكر السالم المجرور بالياء، فلا يُظن أنه مثنى. فتعريف الحديث الصحيح بالاختصار هو: "الحديث الذي اتصل سنَدُه بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير ولا علةٍ"، فبالنظر إلى تعريف الحديث الصحيح يتبين لنا أنه لا بد من وجود الشروط الخمسة التالية في حديث ما ليُسَمى حديثًا صحيحًا وهي:
١ - اتصال السند، ومعناه: أن كل راوٍ من رواته قد أخذه مباشرة عمّن فوقه، من أول السند إلى منتهاه.
٢ - عدالة الرواة، أي أن كل راوٍ من رواته اتصف بكونه مسلمًا بالغًا عاقلًا، غير فاسق، وغير مخروم المروءة.
٣ - ضبط الرواة، أي: أن كل راوٍ من رواته يكون تام الضبط، إما ضبط الصدر أو ضبط الكتاب.
٤ - عدم الشذوذ، أي: بعد وجود الشروط الثلاثة المذكورة لا يكون متن الحديث شاذًا، والشذوذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
1 / 13
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٥ - عدم العلة: أي: لا يكون الحديث معلولًا والمراد من العلة في هذا الشرط هو: السبب الخفي الغامض الذي يقدح في وجوده في صحة الحديث، ولا يُدرِكُه إلا الجهابذة والحذاق من المحدثين، ويبدو ظاهر السند والحديث سالمًا من هذه العلة، فإذا اختل شرط واحد من هذه الشروط الخمسة (التي) لا يُسمَّى الحديث حينئذ حديثًا صحيحًا.
1 / 14
النوع الثاني: الحسن
(٣) والحسن المعروف دون الأول … رجاله لا كالصحيح المعتلي
(٣) ذكر الناظم ﵀ في هذا البيت تعريف القسم الثاني من أقسام الحديث، ألا وهو: الحديث الحسن، فقال ﵀: الحديث الحسن هو: الحديث الذي يكون معروفًا عند المحدثين، لكنه لم يصل إلى درجة الصحيح، ورجال إسناده لا تكون لهم درجة عالية كما هي لرجال درجة الصحيح، هذا هو معنى البيت في تعريف الحديث الحسن، ويمكننا أن نذكر تعريف الحديث الحسن بالاختصار: الحديث الحسن هو: الحديث الصحيح، إذا خف ضبط راويه، أي: قلَّ ضبطه، يعني: الحديث الحسن الذي يوجد فيه شروط الحديث الصحيح من اتصال السند، وعدالة الرواة، مع ضبطهم وخلوه من الشذوذ والعلة، ولكن رواته لا تبلغ في الضبط درجة رواة الصحيح.
1 / 15
النوع الثالث: الضعيف
(٤) أما الضعيف، فهو دون الحسنِ … لفقده شروطه فاستَبِنِ
(٤) ذكر الناظم ﵀ في هذا البيت تعريف القسم الثالث من أقسام الحديث، ألا وهو الحديث الضعيف، وقال ﵀: الحديث الضعيف هو الحديث: الذي يكون أدنى مرتبة من الحديث الصحيح، لعدم وجود شروط الحديث الحسن فيه، ونتذكر نحن أن شروط الحديث الصحيح والحسن خمسة:
١ - اتصال السند.
٢ - عدالة الرواة.
٣ - ضبط الرواة.
٤ - خلو الحديث من الشذوذ.
٥ - خُلُّوه من العلة الخفية.
٦ - وإذا فُقِدت هذه الشروط، أو واحد منها في حديثٍ ما ينزل درجة الحديث الضعيف، ثم للضعف مراتب، أدناها: أن يكون راويه سيُئ الحفظ، يعني: يوجد فيه الشروط الخمسة المذكورة سابقًا، لكن رواته أو واحد من رواته يكون سيئَ الحفظ، لا يستطيع أن يحفظ إلا بمحاولات وصعوبات كثيرة، وإذا حفظ ينساه سريعًا، وأعلى درجات الحديث الضعيف أن يكون راويه كذابًا وضَّاعًا، وهذا النوع من الراوي لا يُنظر إلى روايته ولا يُقبلُ كلامه البتَّة.
1 / 16
النوع الرابع: المرفوع
(٥) وَمَا عُزِيْ إِلَى النَّبِيِّ أَو نُسِبْ … فَذَا هُوَ المَرْفُوعُ فَاحْفَظْهُ تُصِبْ
(٥) ذكر الناظم -رحمة الله عليه- في هذا البيت نوعًا من أنواع الحديث، وهذا النوع عند المحدّثين يُسمَى: المرفوع، وتعريف المرفوع -كما ذكره الناظم ﵀: هو الحديث الذي عُزِيَ، أي: نُسِبَ إلى النبي ﷺ، وفي آخر البيت طَلَبَ منَّا الناظم -رحمة الله عليه- بقوله: فاحفظه: أي احفظ تعريف الحديث المعروف كما ذكرتُ لك، وقوله: تُصِبْ: جواب الأمر، أي: إذا حفظت تعريف الحديث المرفوع وعرفتَه، تكون مصيبًا في رأيك وقولك.
اعلم أيها القارئ الكريم: أن الحديث المرفوع يصحّ أن يكون حديثًا صحيحًا، أو حديثًا حسنًا، أو حديثًا ضعيفًا، يحتمل أن يكون ضعفه بسبب الإرسال- أي: حذف الصحابي - أو بسبب الانقطاع- أي: بإسقاط أحد الرواة من السند-، أو بسبب الإعضال، -أي: إسقاط الراويين المتتاليين من الإسناد-، أو بسبب الاضطراب، - أي: الاختلاف في الرواية عن الراوي الواحد في المتن أو السند-، دون وجود وجه الترجيح.
1 / 17
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وسنذكر - إن شاء الله - فيما بعد في آخر المنظومة مثالًا تطبيقيًا لأنواع الحديث المذكورة في هذه المنظومة، فلتراجعه لترسيخ المعلومات لديك، ولكني أود أن أذكر في هذا المقام أنواع الحديث المرفوع مع الأمثلة، فأقول: الحديث المرفوع أربعة أنواع:
الأول: المرفوع القولي، مثاله: أن يقول الصحابي أو غيره: قال الرسول ﷺ: كذا …
الثاني: المرفوع الفعلي، مثاله: أن يقول الصحابي أو غيره: (فعل رسول الله ﷺ كذا …
الثالث: المرفوع التقريري، مثاله: أن يقول الصحابي أو غيره: (فُعل بحضرة النبي ﷺ كذا، ولا يروي إنكاره لذلك الفعل).
الرابع: المرفوع الوصفي، مثاله: أن يقول الصحابي أو غيره: (كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا).
1 / 18
النوع الخامس: الموقوف
(٦) وما على قول الصحابي قصر … فذا هو الموقوف يا ذا المبتصر
(٦) الناظم ﵀ ذكر في هذا البيت تعريف الحديث الموقوف، فقال: الحديث الذي يكون مقصورًا على قول الصحابي، فهو يسمى موقوفًا. وقول الناظم ﵀ في آخر البيت: يا ذا المبتصر، معناه: يا صاحب البصيرة انتبه واحفظ ما ذكرته لك من تعريف الحديث الموقوف. فبالاختصار نقول في تعريف الموقوف: هو ما نُسِب أو أُسند إلى صحابي أو جَمْعٍ من الصحابة، سواء كان ها المنسوب إليهم قولًا، أو فعلًا، أو تقريرًا، وسواء كان السند إليهم متصلًا أو منقطعًا.
مثال الموقوف القولي: قول الراوي: قال علي بن أبي طالب ﵁"حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله".
مثال الموقوف الفعلي: قول الإمام البخاري: "أَمَّ ابنُ عباس وهو متيمّم".
ومثال الموقوف التقريري: قول بعض التابعين-مثلًا-: "فعلت كذا أمام الصحابة، ولم يُنكر عليَّ".
1 / 19
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وجدير بالذكر أن بعض المحدثين -وبالأخصّ الخراسانيين*- يسمون الحديث الموقوف أثرًا، والحديث المرفوع خبرًا.
1 / 20