دستور الأخلاق في القرآن

محمد بن عبد الله دراز ت. 1377 هجري
38

دستور الأخلاق في القرآن

الناشر

مؤسسة الرسالة

رقم الإصدار

العاشرة ١٤١٨ هـ

سنة النشر

١٩٩٨ م

تصانيف

أخلافية moralite، لا أمر شرعية legalite. وهنا نلمح الدافع السليم الذي حدا بكانت أن يلتمس هذا التشريع من سلطة أعلى، تتوفر لها صفتا: الأخلاقية والشمول، وأعتقد أنه واجدها في العقل نفسه، في صورته الأكثر صفاء وتجريدًا، والذي يحكم جميع الأشياء بقانون عدم التناقض la loi de la non - contradiction، ولسوف تتاح لنا الفرصة لنلاحظ إفلاس مثل هذا المعيار١. ونلاحظ أن "كانت" نفسه يعترف بعجز نقده عن تحديد الواجبات الإنسانية بخاصة، وهي الواجبات التي يعد تقسيمها من مهمة نظام العلم، لا من مهمة نظام نقد العقل بعامة، فإن هذا النظام لا يستتبع أي رجوع إلى الفطرة الإنسانية٢. وإذن، فالناس محتاجون على وجه التحديد إلى قاعدة صالحة للتطبيق على فطرتهم؛ ويستطيع كل منهم في الحالات السهلة أن يجد تلك القاعدة مسجلة بصورة ما في ضميره، أي: إن الشخص لا يحتاج إلى ذلك الكيان الشكلي المجرد، وهو إن احتاج إليه فإن هذه الفكرة الفارغة لا تفيدنا شيئًا محددًا. لا بد إذن من أن نتوجه وجهة أخرى، فأين نفتش عن ذلكم النور البديع لنهدي ضمائرنا، عندما لا تجد حيثما توجهت غير الظلام؟ وأين نجد ذلك المخلص الذي تعلقت به أنفسنا وقد تفاذفتها الشكوك؟ ليس لدينا أمام هذه الأسئلة سوى إجابة واحدة تفرض نفسها، إذ لا أحد يعرف جوهر النفس، وشريعة سعادتها وكمالها، مع الصلاحية الكاملة،

١ انظر فيما بعد: المبحثين الثاني والثالث. ٢ انظر: Kant، Crit. De La R. Part، Preface، P. ٦

1 / 33