دستور الأخلاق في القرآن

محمد بن عبد الله دراز ت. 1377 هجري
160

دستور الأخلاق في القرآن

الناشر

مؤسسة الرسالة

رقم الإصدار

العاشرة ١٤١٨ هـ

سنة النشر

١٩٩٨ م

تصانيف

مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ ١، وبين النصوص الأخرى، وبخاصة قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٢، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ ٣، وهي تقرر العكس تمامًا. واقرأ الحديث المشهور عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: "ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ٤. لقد قال المفسرون، كيما يتخلصوا من هذا التعارض، إن آية الطور الأولى لا تتعلق مطلقًا بمجازاة، ولكنه محض فضل يسبغه الله عليهم، غير الجزاء المستحق لهم، وعليهم فهم يضيفون أن فضلًا من هذا القبيل لا يصح أن يخضع لقاعدة. وكل ما تريده الأخلاق هو ألا يحرم شخص من حقوقه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ٥، ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ ٦، فإذا ما قدمت العدالة المطلقة لكل إنسان حقه فلا شيء يحول دون أن ينعم الله على من يشاء بأكثر مما يستحق. ولقد نستطيع أن نعترض أولًا بأن مجرد رفع المقصر إلى درجة يستحقها المتقدم ربما يخلق لدى هذا الأخير نوعًا من المساس بكرامته، إن صح التعبير، قد يتحرك في نفسه غضب مشروع، حين يرى نفسه متساويًا مع آخر أدنى منه أخلاقيًّا.

١ الطور: ٢١. ٢ البقرة: ١٣٤. ٣ لقمان: ٣٣. ٤ صحيح مسلم، كتاب الذكر، باب ١١. ٥ الزلزلة ٧-٨. ٦ الأنبياء: ٤٧.

1 / 157