والثانية هي أن الروايات الخمس الأولى قد قرنت في النهي بين البول في الماء الدائم والاغتسال فيه أو منه، أو الوضوء منه، إلا الرواية السادسة فقد انفردت بالنهي عن الاغتسال في الماء الدائم دون أن تذكر النهي عن البول فيه، فهي جزء من الحديث، وليست حديثًا منفصلًا، لا سيما وأن أبا هريرة راوي هذه الرواية هو الراوي نفسه للرواية التي تقرن بين النهيين، ولا يبعد أن تكون الرواية السادسة كلها من لفظ أبي هريرة موقوفة عليه، وأنه قالها في مناسبة وقعت أمامه، يشهد لهذا الاحتمال أن آخر الرواية حوى سؤالًا، وحوى جوابًا من أبي هريرة هو قوله «يتناوله تناولًا» فالرواية تقول «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال يتناوله تناولًا» . فصياغة هذه الرواية تجعل المدقق يميل إلى وقفها على أبي هريرة لهذا السبب، ولأنها شذت عن سائر الروايات، فيُعمل بروايات النهيين وتُترك رواية النهي الواحد. هكذا يُفعل عادة حين تقع اختلافات في الأحاديث ويصبح لا بد من ترجيحٍ وردٍّ لا سيما وأن هذه الرواية معناها موجود كله في الروايات الخمس الأخرى وليس فيها معنى جديد زائد عن الروايات الأخرى، ولذا فإني أكتفي بمناقشة روايات النهيين وأترك رواية النهي الواحد.
الحديث ينهى عن البول في الماء الدائم وبعد ذلك يأمر بعدم الاغتسال فيه، وقد ورد في أربع روايات من خمس «لا يبولنَّ ... ثم ...» و«لا تَبُل ... ثم ...» وورد في الثالثة «لا يبولنَّ ... ولا ...» بدون (ثم) فتحمل رواية «ولا» على الروايات الأربع «ثم» وتفسر بها، لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وأربعة أحاديث تكفي لتفسير حديث واحد.
1 / 33