99

الجامع لأحكام الصيام

تصانيف

ثانيًا: حتى نستطيع أن نجيب على السؤال، لا بد من معرفة معنى البر لغةً وشرعًا: فقد اختلف أهل اللغة كما اختلف الفقهاء في تحديد معنى البرِّ على أقوالٍ: فقال الشافعي: يحتمل أن يكون المراد ليس من البر المفروض الذي من خالفه أَثِمَ، وإن نفي البر هنا محمولٌ على من أبى قبول الرخصة. وقد روى الحديثَ النَّسائي (٢٢٦٠) بلفظ ﴿عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ قال: ليس من البر الصيام في السفر، عليكم برخصة الله ﷿ فاقبلوها﴾ وقال الطحاوي: البِرُّ هنا البر الكامل الذي هو أعلى المراتب وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون بِرًا. وقال بعضهم هو كل ما تُقُرِّبَ به إلى الله ﷿. وفُسِّر البر بالصدق، ومنه البِرُّ في اليمين أي تصديقه وعدم الحنث فيه، كما فُسِّر بالطاعة، ومنه بِرُّ الوالدين أي طاعتهما، وفُسِّر بالصلاح، وبالخير. فهو إذن كلمة جامعة لعدة معانٍ يشملها كلَّها الخير. فالبر خير، والخير حتى يكون شرعيًا لا بد من أن يطلبه الشرع ويأمر به، إِما أمرًا جازمًا فيكون فرضًا، وإِما أمرًا غير جازم فيكون مندوبًا، ولا يخرج البر أو الخير عن هاتين الحالتين، فلا يكون البر أو الخير في المباحات التي يستوي فيها القيام بالفعل وتركه والتي لا ثواب فيها ولا إثم، ولا يكون البر إلا في الفروض والمندوبات لا غير. هكذا يجب أن يُفهم البر في الحديث هذا، وأن معناه هو أن الصوم في السفر غير مفروض عليكم وغير مندوب، وهذا هو المعنى الذي تكرَّر في الأحاديث التي استعرضناها قبل قليل (صُم إن شئت وأَفطر إن شئت) أي هو من المباحات التي يستوي فيها القيام بالفعل وتركه.

1 / 99