164

التعليق على القواعد المثلى

الناشر

دار التدمرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م

تصانيف

نفسه، وفي هذا دلالة على عنايته - تعالى - بعبده الصالح وعلى فضيلته، فجعل مرضه مرضه وجعل جوعه جوعه، مفسرًا ذلك بأنك لو عدته لوجدتني عنده ولو أطعمته لوجدت ذلك عندي (١)، والله أعلم.
والأفعال الاختيارية هي التي تكون بمشيئته؛ كل فعل تقول: (إن الله يقول أو يفعل كذا إذا شاء) فهو فعل اختياري، وهي الصفات الفعلية، فالعلم لا يصح فيه أن تقول إن الله يعلم إذا شاء، أو إنه يكون حيًا إذا شاء، أو إن له يدًا إذا شاء، لكن تقول: إنه ينزل إذا شاء، واستوى على العرش حين شاء، ويتكلم إذا شاء إلى آخره.
وحديث: " عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا " (٢) ليس هو الملل الذي هو السآمة، لكن نعلم أن الملل يدل على الكراهة، فالله - تعالى - يحب من عباده العمل الصالح إلا أن يشقوا على أنفسهم، فإذا شقوا على أنفسهم وكلَّفوا أنفسهم مالا يطيقون فإن الله يكره منهم ذلك، يكره العمل، فالملل من الشيء يتضمن كراهته، فالله - تعالى - يحب العمل الصالح من عباده ما لم يشقوا على أنفسهم، فإذا شقوا على أنفسهم وتسببوا في الملل من العمل، فإن الله يمل ولا يحب منهم ذلك العمل؛ بل يكره منهم ذلك العمل " اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا "، فإذا مَلَّ العبد فالله - تعالى - لا يحب عمله الذي يجهد به نفسه، ويشق به على نفسه، ويتجاوز فيه الحدود الشرعية، كإنسانٍ يقوم ويضع له حبلًا يتعلق فيه من أجل القيام؛ كما دخل النبي ﷺ فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين، فقال: " ما هذا الحبل؟! " قالوا: هذا حبلٌ لزينب، فإذا فترت تعلقت، فقال النبي ﷺ: " لا، حُلُّوه؛ لِيُصَلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فَتَرَ فليقعد " (٣).

(١) انظر: التدمرية (٢١٦ - ٢١٩)، والدرء (٥/ ٢٣٣ - ٣٣٦)، وسيأتي الكلام عليه في صفحة (...).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣) في مواضع، ومسلم (٧٨٢) من حديث عائشة ﵂.
(٣) أخرجه البخاري (١١٥٠)، ومسلم (٧٨٤) من حديث أنس بن مالك ﵁.

1 / 171