286

الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

محقق

د. ولي الدين بن تقي الدين الندوي

الناشر

دار البشائر الإسلامية للطباعة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

فالنبي ﷺ كان في جُهّال مكة مثل ذلك الأسد والرجل الجميل اللذَيْن لم يعرفا أنفسهما، ولم تنكشف عليه حقيقة نفسه، فلما رأى من هو من أبناء جنسه وهو جبرئيل، فإنه غُذي بلُبان العلم، ورُبِّي به، ولذا كانت سفارة الوحي إليه، كما أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - غُذُّوا بلُبان العلم، ورُبُّوا بتلك الصفة، فظهرت صورته، وله حقيقة في جبرئيل، وكانت في غاية العظمة والكمال، فلم يستطع أن يتحمَّلها، فخاف نفسه الشريفة، لا أنه خاف جبرئيل.
قال مولانا أمير شاه خان - رحمه الله تعالى - ناقل ذلك: وكان مولانا محمود حسن الديوبندي المعروف بشيخ الهند يسمعه منه كرَّات ومرَّات، ويلتذ ويتمايل من الفرح والسرور.
قال حكيم الأمة مولانا أشرف علي التهانوي قُدِّس سرُّه في حاشية "الأرواح الثلاثة" ما حاصله: أن هذا التوجيه للحديث على ذوق الصوفية، وليس في النصوص ما يدفعه.
وأما توهم مصادمته لقوله ﷺ: "لقد خشيت على نفسي"، فمدفوع بأنه ليس معناه: خشيتُ جبرئيلَ، بل معناه: خشيتُ أن لا أتحمل أعباء الرسالة، فإنه يحتاج إلى قوة بليغة خاصة، وقد كانت تلك القوة مغلوبة في ذلك الوقت.
وأما قول خديجة ﵂: "ووالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك تَصِلُ الرحمَ. . ." إلخ، فاستدلال عقلي على أنه ﷺ يُعطى من الله الكريم قوةً على تحمل ذلك، فإن هذه القوة ثمرة لتأييد الحق، وهذه الأوصاف جالبة لتأييد الحق.
وأما ذهابها بالنبي ﷺ إلى ورقة، فكان لطلب تأييد هذا الاستدلال العقلي بالدليل النقلي.
وأما ذكر ورقةَ سيدَنا موسى ﵊ فكان تنظيرًا منه لحصول التحمل في مثل ذلك، لا أن النبي ﷺ كان شاكًّا في نبوته، ثم

2 / 296