كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م
مكان النشر
بيروت
تصانيف
على بعد، وهل يُشتَرط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه أو يُكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من ألَّف في الصحابة يدل على الثاني، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما وُلد قبل وفاة الرسول، ﷺ بثلاثة أشهر وأيام كما ثبت في الصحيح: "إن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع، قبل أن يدخلوا مكة" وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل.
والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفراييني ومَنْ وافقه على رد المراسيل مطلقًا، حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي ﷺ بل من قبيل مراسيل كبار التابعين.
وهذا مما يُلغَز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، ومنهم -يعني أهل الحديث- من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صَحِب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبد الله بن سَرْجِسَ النبيَّ ﷺ غير أنه لم تكن له صحبة. أخرجه أحمد؛ هذا مع كون عاَصم قد روى عن عبد الله بن سَرْجسَ هذا عدة أحاديث، وهي عند مسلم، وأصحاب السنن، وأكثرها من رواية عاصم عنه، ومن جملتها قوله: "إن النبي ﷺ استغفر له".
فهذا رأي عاصم: أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية؛ وكذا روي عن سعيد بن المسيِّب: أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي ﷺ سنة فصاعدًا، أو غزا معه غزوة فصاعدًا.
والعمل على خلاف هذا القول، لأنهم اتفقوا على عَدّ جمع جَمٍّ في الصحابة، لم يجتمعوا مع النبي ﷺ إلا في حجة الوداع، ومن اشترط الصحبة العرفية أخرج مَن له رؤية، أو من اجتمع به، لكن فارقه عن قرب، كما جاء عن أنس أنه قيل له: "هل بقي من أصحاب النبي ﷺ أحد غيرك؟ قال: لا" مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من
1 / 14