ـ[نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان]ـ
المؤلف: أبو التراب سيد بن حسين بن عبد الله العفاني
قدم له: أبو بكر الجزائري - محمد صفوت نور الدين - محمد عبد المقصود
توزيع: دار ماجد عسيري - جدة
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
1 / 1
إهداء
إلى الرجال حين يعزّ الرجال..
إلى الضخام بذلا وعطاء..
* إلى الوالد المفضال.. الذي إذا رُؤي ذكر الله تعالى برؤيته الشيخ الربّاني مقدم أهل السنة بمصر الشيخ/ محمد صفوت نور الدين.
* إلى تيار الفرات.. الذي غمرني بإحسانه ونواله وكرمه.. الكريم المفضال الذي جعل الله له في قلوب المؤمنين ودا.. إلى من كانت له اليد الطُولى في نشر كتب ابن تيمية في مكتبته "مكتبة ابن تيمية" الشيخ/ عبد الفتاح الزيني.
انشر علوم السابقين وداونا ... لله درك من فتى رباني
* وإلى سمي البخاري.. الرباني.. الشيخ محمد إسماعيل.
يا زهر آمال البلاد وحبها ... يا حادي الغرباء للأوطان
وسمي حبر وطب هدى نبينا ... أعني البخاري العظيم الشان
يا ابن إسماعيل ويا بقية سلفنا ... إرو الغليل بشيخنا الألباني
ياحسن عود للحجاب كتبته ... من نبض قلبك في حلى التبيان
لا تنسنا من طيب صالح دعوة ... بظهر الغيوب لحبك العفاني
***
1 / 2
مقدمة الطبعة الثانية
بقلم فضيلة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري
شيخ المسجد النبوي
بالمدينة النورة
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة تقريظ
لأبي بكر جابر الجزائري
قال عفا الله عنه:
بعد حمد الله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين أقول: لقد أهداني العلّامة ذو الفقه والبصيرة الدكتور سيد بن حسين العفاني حفظه الله وأطال عمره، وأفاض الخير عليه وعلى محبيه. أهداني كتابه "نداء الريّان في فقه الصوم وفضل رمضان" وتصفّحت الكتاب فوجدته قد جمع فأوعى، ورفع مؤلفه فأعلى.
إنه كتاب من مجلدين بلغت صفحاته سبعًا وعشرين ومائة وألف صفحة، ما ترك شاردة ولا واردة، ولا نافلة، ولا فريضة، ولا كبيرة، ولا صغيرة، في باب الصيام وأحكامه وفضائله، وكمال أهله إلا ذكرها بأسلوب الأدب الرفيع والحكمة البالغة.
وقبل أن أدعوَ له بخير الدارين أنصح لكل طالب علم أن يقتني هذا الكتاب ويكبّ عليه ويقرأه، وينشر طِيبه بين المسلمين. فاللهم زد عبدك سيد باسمه علمًا وفقهًا ونورًا، ولا تحرمنا مما آتيته إنك ولينا ووليّه آمين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
أبو بكر جابر الجزائري
في ٤/٩/١٤١٧هـ
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبعة الثانية
بقلم فضيلة الشيخ: محمد صفوت نور الدين
رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر
لنداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان
تقديم
الحمد لله رب العالمين، اختص سبحانه بعض خلقه بالتكريم والتعظيم، وأصلي وأسلم على من اختصه الله ﷾ بالرسالة الخاتمة، فبلغها فكان إمام المتقين وإمام العابدين وإمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وأصلي وأسلم على آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وأصلي وأسلم على سائر الأنبياء وجميع المرسلين. وبعد،،،
فإن شريعة الله في الصوم عمت كل الأمم السابقة وصارت عونا للمؤمنين لسلوك طريق المتقين لذا قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وكان الصوم من أجل الأعمال التي يعملها السالكون لذا جاء في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه أنه قال: "كل عمل ابق آدم له. الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" فكان قوله: "فإنه لي" أعظم شرف للعمل وهو الصيام وخير شرف للعامل وهو الصائم.
1 / 4
وقد فضل الله سبحانه شهر رمضان بفضائل عظيمة جليلة فهو القائل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وهو الذي جعل فيه ليلة القدر، وقال عنها سبحانه: (ليلة القدر خير من ألف شهر) .
والله جعل رمضان شهر الصبر وشهر النصر، تغل فيه الشياطين، وشهر يغفر فيه لمن تتبع أسباب المغفرة بالصيام والقيام وتلمس ليلة القدر، والله جعل البركة في كل رمضان والصيام حتى جعل أبسط ما فيه وهو السحور بركة فقال رسول الله ﷺ: "تسحروا فإن في السحور بركة". والله ﵎ جعل رمضان شهر الجنة، فللجنة باب اسمه الريان يدخل منه الصائمون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد وجعل رمضان شهر القرب، ففي الحديث: "بعد من أدرك رمضان ولم يغفر له" فالبركة والخير والإلف والمحبة والصالحات من الأعمال والقرآن والصدقة والجود وحسن الخلق وغير ذلك إنما يكون من ثمرات من عمل في رمضان ومن تعبد الله بالصيام في رمضان وبعده.
كل هذا شحذ قريحة أخينا الحبيب الدكتور سيد حسين العفاني جزاه الله خير الجزاء وصنف موسوعة تاريخية فقهية حديثية طبية وعظية قصصية واقعية يحتاجها المدرس والكاتب والمؤرخ والصائم، ويحتاجها قاسي القلب ليلين قلبه، ويحتاجها الشارد ليقرب والقريب ليزداد قربا، ويحتاجها الباحث والطبيب الذي يعالج أمراض الأبدان، والواعظ الذي يغذي القلوب والأرواح وهذه الكلمات القليلة أسوقها على استحياء لتقديم هذه الموسوعة الطيبة (نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان) والله أسأل أن ينفع بها وأن يجعلها ذخرا لكل من صنف وقدم وقرأ وعمل، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
وكتبه
محمد صفوت نور الدين
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بقلم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد المقصود العفيفي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا)، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا) .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فإنه ليشرفني أن أقدم إلى المكتبة الإسلامية هذا المؤلَّف الجليل، والذي يُعد بحق موسوعةً ضخمة جدًّا في الصيام وكل ما يتعلق به، ومؤلفه الأخ الأستاذ الدكتور سيد حسين، ذكر فيها فضائلَ الصيام وآثاره، وصيام الصالحين، وصيام أهل البدع، وفوائد الصيام، وفضائل شهر رمضان، والغزوات التي وقعت في شهر رمضان، حتى الفتاوى الطبية المتعلقة بشهر رمضان، وكتب الطب التي ألفتْ فيما يتعلق بموضوع
1 / 6
هذا الكتاب -وهو الصوم- وفتاوى العلماء قديمًا وحديثًا، وكذلك الأشعار التي وردت في شهر رمضان وكتبها.
فهذا في الحقيقة جهد كبير جدًّا بذله حضرة المؤلف الاستاذ الدكتور سيد حسين -أصلح الله حاله، وجعله في ميزان حسناته- وذلك ليقدم إلى الناس هذه الموسوعة القيمة.
والحقيقة قد طلب مني حضرة المؤلف الدكتور سيد حسين أن أقدم للكتاب. وأنا أقولها لله ﷿: الفروض أن يقدِّمَ هو لي لا أن أقدم أنا له، وقد زدنا بالكتاب شرفًا، ولم يزد المؤلف ولا كتابه منا شيئا. وسيتضح لك هذا أيها القارئ الكريم حين تعيش مع صفحات هذا الكتاب ستقف على كمّ المراجع التي رجع إليها واستخدمها، ليقدم لك هذه المادة، وهي متنوعة، فمنها مراجع في الفقه ومراجع في التاريخ ومراجع في الحديث، بل وكتب الأشعار وكتب الطب ... كتب كثيرة جدًّا حتى يجمع لك مادة هذا الكتاب نفعنا الله به.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لقراءة هذا الكتاب، والعمل بما فيه، وأن ندعو الناس لاتباع الخير الكثير الذي فيه، وأن يجعل الله ذلك في ميزان حسناتنا (يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم) .
وكتبها
د. محمد بن عبد المقصود العفيفي
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران: ١٠٢] .
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث
منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا) [النساء: ١] .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا) (١) [الأحزاب: ٧٠-٧١] .
أما بعد:
فإن الله تعالى أعظم على عباده المنِّة، بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه، ورد أمله وخيب ظنه، إذ جعل الصوم حصنًا لأوليائه وجُنَّة، وفتح لهم به أبواب الجنَّة، وعرفهم أنَّ وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنَّة، وأنَّ بقمعها
_________
(١) خطبة الحاجة وهي التي كان رسول الله ﷺ يبدأ بها خطبه، وقد جمع طرق أحاديثها محدث الديار الشامية الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في رسالة قصيرة.
1 / 8
تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنَّة (١) .
وأعظم بعبادة متميزة بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان، وجاوز ثوابها قانون التقدير والحسبان، فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغًا، ويجازف جزافًا فلا يدخل تحت وهم وتقدير.
وناهيك بعبادة يباهي الله بها ملائكته، والله غني وهو الكريم يا أخي عن تجويع القوم.. فافهم من الخلوف معنى الصوم فأنت المراد من هذا الكون.
فكم من ملائكة كرام ما ذاقوا طعاما ولا شربوا شرابًا ليس لهم مرتبة "ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك".
فيا إخوتاه البدار البدار، كلوا من طعام الجد، واشربوا دموع الأسف، تناولوا من طعام الاستغفار ولو جرعة، صاح مُمسك قنديل الأمل، لرؤية فجر الأجل.
رحم الله أقوامًا رمضانهم دائم وشوالهم صائم.
في رضاكم رمضان عمره ... ينقضي ما بين إدبار وطيّ
وعلى الطرف الآخر آخر أحواله تشبه شهور السنة "ماله في باب الإيثار المحرم، وقلبه من الذكر صفر، وهواه وشهواته ربيعان وكفاه في البذل جُمادَيَان، وسمعه عن المواعظ رجب، وهمه في شبابه شعبان" (٢)، فكن كما شئت فإنما تجني ما تغرس.
ولا يدرك ألطاف وعطايا الربَّانية إلا من ربَّى للصوم نيَّة.
غرس القوم نخل العزائم من نهر باب الريان ونبات عزمك نبات الكشوت (٣) يروى من ماء صديد.
_________
(١) المنة بالضم: القوة، وخمق بعضهم به قوة القلب، يقال: هو ضعيف المنة، ويقال: هو طويل المنة، حسن السنة
قوي المنة، الأمة: القامة، والسنة: الوجه، والمنة: القوة.
(٢) "مقامات ابن الجوزي".
(٣) نبات معروف.
1 / 9
أخي: ليس الصوم صوم جماعة الطّغام عن الجماع والطعام إنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام، وكفّ الكفّ عن أخذ الحطام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام.
إن المطلوب من الصوم التقلل ليسبق المضمّر، وهم يستوفون وقت الإفطار الحِمْل، ويجعلون السحور علاوة، فيقف جمل التعبد.
المراد من التجويع خلوف الفم، والذين عندهم جُشَاء التَّخم يصبحون وبهم من الطعام بَشَم (١)، ومن الماء بغر (٢)، "جاعوا بالنهار وما يفهمون كيف صاموا، وشبعوا بالليل فناموا وما قاموا" (٣) .
قال ﷺ: "إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته" (٤) .
فاتق الله في أمانته عندك.
ولكل عبادة ظاهرًا وباطنًا، وقشرًا ولبًّا، ولقشرها درجات، ولكل درجة طبقات، فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب.
فطوبى لمن أظمأ نفسه ليوم الري الكامل
طوبى لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر
طوبى لمن ترك شهوات حياة عاجلة لموعد غيب لم يره
متى اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الري الكامل وقل: قد عيل صبر الطبع في سنيِّه العجاف، فعجِّل لي العام الذي فيه أغاثُ وأعصر.
أخي: -وبعد أن أطلنا- هذه أوراق جمعناها في الصوم وفضله وثماره
_________
(١) مرض يجعل الرجل لا يشبع من الطعام.
(٢) البغر: داء يشتد معه العطش، فلا يخفضه الماء.
(٣) "مقامات ابن الجوزي" (ص ٢٦١) .
(٤) رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" من حديث ابن مسعود في حديث الأمانة في الصوم وإسناده حسن قاله
العراقي، وقال ابن السبكي لم أجد له إسنادا.
1 / 10
وسادات الصائمين، ورمضان وجزيل نعمه وحُسنه، وضممنا إلى ذلك آدابًا في الصوم وفصلًا في الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الصوم ثم فقه الصوم والاعتكاف وزكاة الفطر وسنن العيد، وعقدنا فصلا للصوم عند الشعراء فاللَّهم تقبل عملي هذا، واسقني يا جواد من كأس كان مزاجها كافورًا واجعل الريَّان ري قلبي الظمآن (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) .
وكتبه
سيد بن حسين العفاني
بني عفان - غرة جمادى الآخرة ١٤١٥هـ
***
1 / 11
الباب الأول
من معاني الصوم
"الصوم لا رياء فيه"
(الإمام أحمد بن حنبل)
1 / 12
الصوم عبادة السادات، وعبادة السادات سادات العبادات، وشيم الأحرار أحرار الشيم.
نصوم فإن الصوم من علم التقى ... وإن طويل الجوع يومًا سيشبع
فما الغاية العظمى؟.. وما أهم معاني الصوم؟
أ- الإخلاص عنوان الصوم
أحلى أعطيات الصوم وأغلى معانيه الإخلاص، والإخلاص لله خلاص وتجرد بعيدًا بعيدًا عن أوحال الأرض.
والصوم هو العبادة الوحيدة التي خُصَّت بالنسبة إلى الله "إلا الصيام فإنه لي" (١) .
وكما قال الإمام أحمد: لا رياء في الصوم، فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كَدَّر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يُكال للعبد كما كال.
والجنة لا تطلب إلا قلبًا خالصًا لله (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) [يوسف:٧٩] .
والصوم يعلم الناس الإخلاص، فما صام منافق مرائي.
والغاية الواحدة في مصطلح القرآن هي الإخلاص وهي محور دعوات الرسل، يقول ﵎: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصًا له الدين..) [الزمر: ٢] الآية، (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين ...) [الزمر: ١١] الآية، (قل الله أعبد مخلصًا له ديني..) [الزمر: ١٤] الآية، (وادعوه مخلصين له الدين ...) [الأعراف: ٢٩] الآية، (فادعوا الله مخلصين له الدين) [غافر: ١٤] الآية.
والإخلاص: التعري عما دون الله ونسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.. أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة وإخراج الخلق عن معاملة الرب.
_________
(١) جزء من حديث صحيح يأتي بعد ذلك.
1 / 13
والإخلاص أشد شيء على النفس لأنه ليس لها فيه نصيب كما قال سهل.
والصدق في الإخلاص من أشد الأمور على النفوس، يقول سفيان الثوريّ: "ما عالجت شيئًا عليّ أشد من نيّتي، إنها تتقلب عليّ".
والإخلاص هو الحرية في أرقى صورها وأكمل مراتبها، لا لا يا قيود الأرض.
تفيض نفوس بأوصابها ... وتكتم عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي ... جواها إلى غير أحبابها
"شجرة الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها زعزع (أين شركائي)، وأما شجرة الرياء فاجتثت عند نسمة (وقفوهم)، لريح المخلصين عطرية القبول، وللمرائي سموم النسيم، نفاق المنافقين صيّر المسجد مزبلة (لا تقم فيه أبدًا) وإخلاص المخلصين رفع قدر الوسخ "رُبَّ أشعث أغبر"، فيا أسفا ذهب أهل الإخلاص والتحقيق وبقيت بنيَّات الطريق، رحل والله السادة وبقي قرناء الرياء والوسادة.
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام
يا إخوتاه: الإخلاص مسك مصون في مسك القلب، تنبه ريحه.. العمل صورة والإخلاص روح.
الإخلاص اليسير كثير، وخليج صاف أنفع من بحر كدر، أتحدو ومالك بعير؟!، أتمد القوس وما لها وتر؟!، أتتجشأ من غير شبع؟!.
كم بذل نفسه مراء لتمدحه الخلائق فذهبت والمدح، ولو بذلها للحق لبقيت والذكر، المرائي يحشو جراب العمل رملًا فيثقله ولا ينفعه، ريح الرياء جيفة تتحاماها مسام القلوب.
لما أخذ دود القز ينسج أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نسجي أردية بنات الملوك ونسجك شبكة الذباب وعند مس النسيجين يبين الفرق.
1 / 14
"إذا اشتبكت دموع في خدود تبينَّ من بكى ممن تباكا" (١) .
والأمة أحوج ما تكون إلى إخلاص أبنائها، قال ﷺ: "إنما ينصر الله هذه الأمه بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم" (٢)، وفيه خلاص الأمة ورفعتها، فعن أبي بن كعب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "بشِّر هذه الأمة بالسناء والدين، والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب" (٣)، وفي رواية للبيهقيّ قال رسول الله ﷺ: "بشر هذه الأمة بالتيسير والسناء، والرفعة بالدين والتمكين في البلاد والنصر، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا، فليس له في الآخرة من نصيب".
ما أحوجنا إلى الصيام والإخلاص: عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إنما يبعث الناس على نياتهم" (٤)، وعن جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إنما يحشر الناس على نياتهم" (٥) .
ما أحوجنا إلى الفرار من الرياء والصيام خير عون، عن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من سمَّع الناس بعمله سمَّع الله به مسامع خلقه وصغره وحقَّره" (٦)، وقال ﷺ: (ثلاث لا يُغَل عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم" (٧) .
ولو لم يكن في الإخلاص إلَّا طرد الخيانة والحقد من القلب لكفاه شرفًا، فكيف والأعمال ميتة بدونه، وقشر خالٍ من اللباب سواه.
ومن هنا تأتي أهمية الصوم ومعناه الكبير! إذ كل عبادة سواه قد يدخلها الرياء وإرادة
_________
(١) "المدهش" (ص ٤١٤) .
(٢) صحيح: رواه النسائي عن سعد بن أبي وقاص وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (١/٦) .
(٣) صحيح: رواه أحمد، وابن حبان، والبيهقي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد "صحيح الترغيب" (١/١٦) .
(٤) حسن: رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/٨) .
(٥) صحيح: رواه ابن ماجة وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/٨) .
(٦) رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح والبيهقي "صحيح الترغيب" (١/١٦) .
(٧) قال المنذري: رواه البزار بإسناد حسن وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (١/٥) .
1 / 15
وجه المخلوقين حتى الصلاة خير الأعمال قد يدخلها الرياء.
عَن أبي سعيد الخدريّ ﵁ قال: خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال" فقلنا: بلى يا رسول الله! فقال: "الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل" (١) .
وعن محمود بن لبيد ﵁ خرج النبي ﷺ فقال: "يا أيها الناس! إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول الله! وما شرك السرائر! قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر" (٢) .
والجهاد والصدقة وقراءة القرآن قد يدخلها الرياء، فدل ذلك على خطره وفظاعته وشناعته، وإليك هذا الحديث لترى خوف الصحابة من الرياء وعلى ضوء ذلك ترى المعنى الجليل الذي يورثه الصيام لأصحابه وهو الإخلاص.
عن عقبة بن مسلم أن شُفَيًّا الأصبحيّ حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال مَن هذا؟ قالوا: أبو هريرة، قال: فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه؛ وهو يحدث الناس، فلمَّا سكت وخلا، قلت له: أسألك بحقِّ وبحقِّ، لماَّ حدَّثتني حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ وعَقِلْتَه وعَلِمْتَه، فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثًا حدَّثنيه رسول الله ﷺ عقلته وعلمته، ثم نشغ (٣) أبو هريرة نشغة فمكثنا قليلًا ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله ﷺ أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق، ومَسح عن وجهه فقال: أفعل، لأحدثنك حديثًا حدثنيه رسول الله ﷺ أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارًّا على وجهه فأسندته طويلًا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله ﷺ إن الله ﵎ إذا كان يوم القيامة ينزل على العباد ليقضي
_________
(١) حسن: رواه ابن ماجة، والبيهقي، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/١٧) .
(٢) صحيح: رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (١/١٧) .
(٣) أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفًا أو خوفًا.
1 / 16
بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يُدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله ﷿ للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله ﷿: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله ﵎: بل أردت أن يقال فلان قاريء وقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله ﷿: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما أتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله ﵎: بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: فيم قتلت؟ فيقول: أي رب أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريئ فقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله ﷺ على ركبتيّ، فقال: "يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة"، قال الوليد أبو عثمان المديني: وأخبرني عقبة أن شُفَيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حاتم أنه كان سيّافًا لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة، فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ثم بكى معاوية بكاءً شديداَّ حَتى ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلَّا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) [هود: ١٥ - ١٦] (١) .
فكيف بمن بقي من الناس ... لا نجاة إلا بالإخلاص.
فياللصوم من عبادة أسها ولحمتها وسداها الإخلاص وفيه من النيران الخلاص.
***
_________
(١) رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في "صحيحه" كلاهما بلفظ واحد عن أبي عثمان المديني، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو حرفين.
1 / 17
(ب) التقوى حكمة الصوم العليا
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة: ١٨٣] .
إن الغاية الأولى هي إعداد القلوب للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله تعالى، "هكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم.. إنها التقوى.. فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثارًا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس في البال، والخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله، ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أدواتها، وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفًا وضيئًا يتجهون إليه عن طريق الصيام (لعلكم تتقون) ثم يثني بتقرير أن الصوم أيام معدودات، فليس فريضة العمر وتكليف الدهر، ومع هذا فقد أعفى من أدائه المرضى حتى يصحِّوا، والمسافرون حتى يقيموا تخفيفًا وتيسيرًا.
وظاهر النص في المرض والسفر يطلق ولا يحدد، فأي مرض وأي سفر يسوغ الفطر، وهذا هو الأولى في فهم النص القرآني، والأقرب إلى المفهوم الإسلامي في رفع الحرج ومع الضرر لإرادة اليسر بالناس لا العسر.
فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى وغاية هذه العبادة خاصة هي التقوى.
والذي يفلت من أداء الفريضة تحت ستار الرخصة لا خير فيه منذ البدء، لأن الغاية الأولى من أداء الفريضة لا تتحقق.
وهذا الدين دين الله لا دين الناس، والله أعلم بتكامل هذا الدين، بين مواضع الترخص ومواضع التشدد، وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها، بل لابد أن يكون الأمر كذلك، ومن ثم أمر رسول الله ﷺ أن يأخذ المسلمون برخص الله التي رخص لهم.
1 / 18
وإذا حدث أن فسد الناس في جيل من الأجيال، فإن صلاحهم لا يتأتى من طريق التشدد في الأحكام، ولكن يتأتى من طريق إصلاح تربيتهم وقلوبهم واستحياء شعور التقوى في أرواحهم وإذا صح التشدد في أحكام المعاملات عند فساد الناس كعلاج رادع، وسد للذرائع، فإن الأمر في الشعائر التعبدية يختلف، إذ هي حساب بين العبد والرب، والظاهر في العبادات لا يجدي ما لم يقم على تقوى القلوب، وإذا وجدت التقوى لم يتفلت متفلت، ولم يستخدم الرخصة إلى حيث يرتضيها قلبه، ويراها وهى الأولى (١) .
(جـ) ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون
"هذه غاية من غايات الفريضة.. أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم، وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة، وهم مكفوفو القلب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها.. وهم شاعرون بالهدى ملموسًا محسوسًا، ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة، ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة، كما قال لهم في مطلع الحديث عن الصيام "لعلكم تتقون" وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقًّا على الأبدان والنفوس، وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير" (٢) .
"وفي لفظ التكبير عند انتهاء الصيام خصوصية جليلة وهي أن المشركين كانوا يتزلفون إلى آلهتهم بالأكل والتلطيخ بالدماء، فكان لقول المسلم: الله أكبر إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم، وأنه منزَّه عن ضراوة الأصنام" (٣) .
"ولعلكم تشكرون" تعليل آخر وهو أعم من مضمون جملة "ولتكبروا الله ... " فإن التكبير تعظيم يتضمن شكرًا والشكر أعم لأنه يكون بالأقوال التي فيها تعظيم لله ويكون
_________
(١) "الظلال".
(٢) "الظلال" (١/١٧٢) .
(٣) "التحرير والتنوير" (٢/١٧٧) .
1 / 19
بفعل القرب من الصدقات في أيام الصيام وأيام الفطر، ومن مظاهر الشكر لبس أحسن الثياب يوم الفطر" (١) .
(د) الصوم وإعداد الأمة
لقد كان من الطبيعي أن يفرض الصوم على الأمة التي يفرض عليها الجهاد في سبيل الله لتقرير منهجه في الأرض، وللقوامة به على البشرية، وللشهادة على الناس، فالصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها واحتمال ضعفها وثقلها، إيثارًا لما عند الله من الرضى والمتاع، وهذه كلها عناصر لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك؛ والذي تتناثر على جوانبه الرغاب والشهوات؛ والذي تهتف بالسالكيه آلاف المغريات" (٢) .
(هـ) الصوم رياضة للنفس على ترك الشهوات
إذا كان من المتعذر على الإنسان بما هو مستودع فيه أن يتجرد عن شهوة الجسد، إذ من المتعذر عليه الانقطاع البات عن إمداد جسده بما فطره الله فيه، فكان من اللازم لتطلب ارتقاء نفسه أن يتدرج به في الدرجات الممكنة من تهذيب شهوته وتخليصه من التوغل فيها بقدر الإمكان، لذلك كان الصوم من أهم مقومات هذا الغرض، لأن فيه خصلتين عظيمتين؛ هما: الاقتصاد في إمداد القوى الحيوانية وتعود الصبر بردها عن دواعيها "وبذلك يحصل للإنسان دُربة على ترك شهواته، فيتأهل للتخلق بالكمال، فإن الحائل بينه وبين الكمالات والفضائل هو ضعف التحمل للانصراف عن هواه وشهواته.
إذا المرء لم يترك طعامًا يحبه ... ولم يَنْه قلبًا غاويًا حيث يَمَّما
فيوشك أن تلقى له الدهر سبة ... إذا ذكرت أمثالُها تملأُ الفما (٣)
_________
(١) "التحرير والتنوير" (٢/١٧٧) .
(٢) "الظلال" (١/١٦٧) .
(٣) "التحرير والتنوير" (٢/١٦٠) .
1 / 20