الأدب الصغير ت خلف

ابن المقفع ت. 139 هجري
21

الأدب الصغير ت خلف

الناشر

دار ابن القيم بالإسكندرية

تصانيف

يَفُوتُ الْمُثَابِرَ، وَيُصِيبُ مِنْهَا الْعَاجِزُ مَا يُخْطِئُ الْحَازِمَ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ عَلَى الْعَاقِلِ أُمُورًا إِذَا ضَيَّعَهَا حَكَمَ عَلَيْهِ عَقْلُهُ بِمُقَارَنَةِ الْجُهَّالِ. فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النَّاسَ مُشْتَرِكُونَ مُسْتَوُون فِي الْحُبِّ لِمَا يُوافِقُ، وَالْبُغْضِ لِمَا يُؤْذِي، وَأَنَّ هَذِهِ مَنْزِلَةٌ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْحَمْقَى وَالْأَكْيَاسُ (١)، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَهَا فِي ثَلاَثِ خِصَالٍ هُنَّ جِمَاعُ الصَّوَابِ وَجِمَاعُ الخَطَإِ، وَعِنْدَهُنَّ تَفَرَّقَتِ الْعُلَمَاءُ وَالْجُهَّالُ، وَالْحَزَمَةُ (٢) وَالْعَجَزَةُ. الْبَابُ الْأَوَلُ (٣) مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَاقِلَ يَنْظُرُ فِيمَا يُؤْذِيهِ وَفِيمَا يَسُرُّهُ، فَيَعْلَمَ أَنَّ أَحَقَّ ذَلِكَ بِالطَّلَبِ إِنْ كَانَ مِمَّا يُحِبُّ، وَأَحَقَّهُ بِالاتِقَاءِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَكْرُهُ، أَطْوَلُهُ وَأَدْوَمُهُ وَأَبْقَاهُ؛ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَبْصَرَ فَضْلَ الآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا، وَفَضْلَ سُرُورِ الْمُرُوءَةِ عَلَى لَذَّةِ الْهَوَى، وَفَضْلَ الرَّأْيِ الْجَامِعِ الْعَامِّ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْأَنْفُسُ وَالْأَعْقَابُ عَلَى حَاضِرِ الرَّأْيِ الَّذِي يُسْتَمْتَعُ بِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ (٤)، وَفَضْلَ الْأَكَلاَتِ عَلَى الْأَكْلَةِ، وَالسَّاعَاتِ عَلَى السَّاعَةِ. وَالْبَابُ الثَّانِي (٥) مِنْ ذَلِكَ: هُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا يُؤْثِرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَضَعَ الرَّجَاءَ

(١) الأكياس: جمع كَيِّس، وهو العاقل. (٢) الْحَزَمَة: جمع حَازِم، يقال: حَزُمَ - بالضم - الرَّجُلُ حَزَامَةً فهو حازم. والْحَزْم: ضَبْطُ الرَّجُلِ أَمْرَهُ وأخذُهُ بالثقة. (٣) أي: الْخَصْلَةُ الْأُولَى. (٤) اضْمَحَلَّ الشَّيْءُ: أي: ذهب، وفي لغة الكلابيين: امْضَحَلَّ الشَّيْءُ - بتقديم الميم - حكاه أبو زيد. واضمحل السَّحَابُ: تَقَشَّع. "الصحاح". (٥) أي: الخصلة الثانية.

1 / 26