السيرة النبوية - راغب السرجاني

راغب السرجاني ت. غير معلوم
87

السيرة النبوية - راغب السرجاني

تصانيف

تعظيم قدر الله في قلوب المؤمنين السبب الأول في زرع الصبر في قلوب المؤمنين: تعظيم قدر الله ﷿. لو كنت معظمًا قدر الله ﷾ في قلبك لا يمكن أن يهمك كل ألم يمر بك هذه الآلام؛ لذا تجد القرآن المكي يتكلم كثيرًا عن تعظيم قدر الله ﷿، يتحدث عن صفات الله ﷿، عن جبروت الله ﷿، عن عظمة الله ﷿، عن قدرة الله ﷿، عن أن الله ﷿ بيده كل شيء ولو كان سيصيبك ضر لابد أنه سيصيبك، ولو اجتمع أهل الأرض لحمايتك فلن ينفعوك، وعلى العكس لو أراد بك الرحمة لابد أن تحدث، وإن اجتمع أهل الأرض ليمنعوك منها، يقول الله في سورة الأنعام المكية: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام:١٧]، لو كنت فعلًا مصدقًا بهذه الكلمات ستعرف أن نصيبك من الألم ستأخذه؛ لأن ربنا ﷾ هو الذي أراد أن يقع بك ذلك الألم، فلابد أن يقع، ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:١٧ - ١٨]، كل واحد مكتوب عليه نصيبه من الألم من ظالم أو مظلوم، كافر أو مؤمن، وإن لم يعذب في سبيل الله فسيعذب بصورة أخرى، من وجع في ضرسه، وسرطان في جسمه، وكسر في رجله، وصداع في رأسه، ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ﴾ [آل عمران:١٩٦]، قد يكون نصيبه من الألم معنويًا، وهو أشد من الألم المادي، لعل له ابنًا فاشلًا يشرب المخدرات أو يكون عاقًا لوالديه، أو منعدم الأدب، أو زوجته منكدة عليه حياته، أو رئيسه يهينه كل يوم يعيش في تعاسة وشقاء، حتى لو كان أمام الناس تبدو عليه السعادة وممكن له في الأرض فهو في معيشة ضنكًا. كل الناس تحس بالألم، ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾ [النساء:١٠٤]، لكن المسلم يتعذب كل هذا التعذيب وهو منتظر الجنة في الآخرة، لكن الظالم مسكين يتعذب في الدنيا بالطريقة التي يريدها ربنا ﷾، وفي الآخرة يعذب في جهنم، عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة، فلماذا لا يصبر المؤمن؟! إذًا: المؤمن عندما يعظم قدر ربنا ﷾ يستسهل التضحية من أجل الله ﷿؛ لأنه يعلم أن كل شيء بيد الله ﷾، وأن كل شيء قدره الله ﷿ لابد أن يحدث وأن يتحقق، سواء كان نعمة أو مشقة.

7 / 9