القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان
الناشر
مكتبة الفهيد بجدة
رقم الإصدار
الثالثة ١٤٢٠ هـ
مكان النشر
السعودية
تصانيف
فإن النفس كسلى ثقيلة عن فعل الخير، بطيئة النهوض إلى أعمال البر، فلو لم تصلّ مثلًا حتى تدعوك نفسك للصلاة وحتى تنشط إليها وتخف عليها لما صليت إلا قليلًا، وربما لم تصل معها أبدًا، ولا قامت لك عن فراشها ولا تركت راحتها ولا لذيذ نومها.
وإنما أمر ﵇ بالرفق وحذر من الإفراط في التعب الذي يقطع بصاحبه ويُقعده، وفي قوله ﷺ: "اكفلوا من الأعمال ما تطيقون" ما يدل على الاجتهاد ويبيح أخذ النفس بما تكره منه، فإن الإنسان قد يكره على الضرب (النوع) من العمل ويكسل عنه، فإذا كُلِّفهُ أطاقه وقام به وتحمل المشقة فيه مع كراهيته له وكسله عنه، فلا بد من الحمل على النفس وأخذها بالجد والكد، وتخويفها بأن تُسبق إلى الله ﷿، وتحذيرها من أن يُستأثر دونها بما عند الله، وأن يصل العمل بالعمل والاجتهاد بالاجتهاد حتى يصل إلى الحد الذي حذر منه رسول الله ﷺ وهو الذي يخاف معه الانقطاع والانبتات، وفي الخير: "الخير عادة والشر لجاجة" (١)، وقال أبو الدرداء لرجل يقال له صبيح: "يا صبيح تعود العبادة فإن لها عادة، وإنه ليس على الأرض شيءٌ أثقل عليها من كافر". وأما قوله ﷺ "ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر أو كسل فليقعد" فما أراد- والله أعلم- أن تصلي ما دمت على نشاط فإذا خالطك الكسل أن تترك الصلاة، وإنما أراد ﷺ الكسل الذي لا يقدر معه صاحبه على شيء إلا بعد جهد جهيد وحمل على النفس شديد، حتى لو قيل مثلًا صلِّ وخذ كذا وكذا- لثواب حاضر يُعرض عليه
_________
(١) رواه ابن حبان مرفوعًا بإسناد حسن.
1 / 19