الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية
الناشر
دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الإصدار
الطبعة الثالثة
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
تصانيف
وقد علق الدكتور البوطي على سماع الجن من رسول الله ﷺ في عودت من الطائف فقال:
والذي يهمنا أن نعلمه بعد هذا كله هو أن على المسلم أن يؤمن بوجود الجن وبأنهم كائنات حية كلفها الله ﷿ بعبادته كما كلفنا بذلك، ولئن كانت حواسنا ومداركنا لا تشعر بهم فذلك لأن الله ﷿ جعل وجودهم غير خاضع للطاقة البصرية التي بثها في أعيننا، ومعلوم أن أعيننا إنما تبصر أنواعًا معينة من الموجودات بقدر معين وبشروط معينة.
ولما كان وجود هذه الخليقة مسندًا إلى أخبار يقينية متواترة وردت إلينا من الكتاب والسنة، وكان أمرها معلومًا من الدين بالضرورة، أجمع المسلمون على أن إنكار الجن أو الشك في وجودهم يستلزم الردة والخروج عن الإسلام. إذ إن إنكارهم إنكار لشيء عُلم أنه من الدين بالضرورة، عدا أنه يتضمن تكذيب الخبر الصادق المتواتر إلينا عن الله ﷿ وعن رسوله ﷺ.
ولا ينبغي أن يقع العاقل في أشد مظاهر الغفلة والجهل من حيث يزعم أنه لا يؤمن إلا بما يتفق مع العلم، فيمضي يتبجح بأنه لا يعتقد بوجود الجان، من أجل أنه لم ير الجان ولم يحس بهم.
إن من البداهة بمكان أن مثل هذا الجهل للتعالم، يستدعي إنكار كثير من الموجودات اليقينية لسبب واحد هو عدم إمكان رؤيتها. والقاعدة العلمية المشهورة تقول: عدم الوجدان لا يستلزم عدم الوجود. أي عدم رؤيتك لشيء تفتش عنه لا يستلزم أن يكون بحد ذاته مفقودًا أو غير موجود. أهـ.
أقول: لم يزل بين المسلمين الثقات العدول من يحدثنا عن صلة له بالجن، وتاريخنا طافح بأخبار علماء كانت للجن بهم صلة تلمذة، وقد كتب الشيخ ابن عابدين الفقه الحنفي المشهور رسالة عن صلات أحد شيوخه بالجن وتلمذتهم عليه، ولا أذكر هذا كتدليل على وجود الجن فكفى بشهادة القرآن والسنة الثابتة، ولكن أقول هذا بين يدي الدعوة إلى
1 / 287