السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية
الناشر
مكتبة العلوم والحكم
رقم الإصدار
السادسة
سنة النشر
١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م
مكان النشر
المدينة المنورة
تصانيف
مسلم في صحيحه حادثة الشق الأولى عن أنس بن مالك "أن رسول الله ﷺ أتاه جبريل ﷺ وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقةً فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه (١)، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني ظئره- فقالوا إن محمد قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره (٢).
ولا شك أن التطهير من حظ الشيطان هو إرهاص مبكر للنبوّة، وإعداد للعصمة من الشر وعبادة غير الله. فلا يحل في قلبه شيء إلا التوحيد (٣) وقد دّلت أحداث صباه على تحقق ذلك فلم يرتكب إثمًا ولم يسجد لصنم (٤). رغم شيوع ذلك في قومه.
أما المرة الثانية التي وقع فيها شق صدره ﵊ فكانت ليلة الإسراء (٥).
_________
(١) جمعه وضم بعضه إلى بعض (شرح النووي على مسلم ٢/ ٢١٦).
(٢) صحيح مسلم ١/ ١٤٧، كتاب الإيمان، باب ٧٤ الإسراء برسول الله ﷺ إلى السموات وابن هشام: السيرة النبوية ١/ ١٦٦ بإسناد جيد قوي كما يقول الحافظ ابن كثير (السيرة النبوية ١/ ٢٢٩ بتحقيق مصطفى عبد الواحد).
(٣) انظر اجتهاد العلماء في استجلاء الحكمة من الحادثة الروض الأنف للسهيلي ٢/ ١٧٣ وفتح الباري لابن حجر ٧/ ٢٠٥.
(٤) زعم المستشرف نيكلسون NICHOLSON أن حديث شق صدر النبي ﷺ أسطورة نشأت عن تفسير الآية القرآنية ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ وأنه لو كان لها أصل فعلينا أن نخمن أنها تشير إلى نوع من الصرع. NICHOLSON،R.A. Aliterary History of the Arabs (Cambridge،١٩٦٦).
وهذا الذي زعمه نيكسون سبقه إليه المشركون القرشيون حين اتهموا رسول الله ﷺ بالجنون فنفى الله عنه ذلك " ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ " والمعلوم عن المصروع أنه يهذي ويزبد ويفقد وعيه، أما رسول الله ﷺ فقد كان عند الوحي في أشد حالات التركيز الذهني حتى أمره الله تعالى بأن يخفف عن نفسه ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ ثم إنه كان ينطق بكلام مبين عُدَّ آية في البلاغة، فأين هذيان المصروع من ذلك؟!!
(٥) انظر ص ١٨٨.
1 / 104