240

العرب في صقلية

الناشر

دار الثقافة

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٩٧٥

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

وهذه الأصفاد هي التي تغل روحه الشاعرة في هذه القصيدة وتشد فيجيء شعره صيحات من الغضب والنقمة والسخط والتحدي.
وابن حمديس يخفي تحت السخط والنقمة حزنًا مكبوتًا مكفوفًا ليس له مسرب يتصعد فيه أو ينحدر. وكيف يكون له مسرب وهو قد بدأ قصيدته بالتجلد وادراع الصبر. وهذا الكبت في الحزن آت من حقيقة واحدة لو وجدت في القصيدة لاتخذت شكلا آخر. وتلك الحقيقة هي فقدان صوت " الصارخ الفزع " - إنه يتفجع على وطنه ليستصرخ لناس ويستنجدهم ويهيب بهم العمل من أجل وطنه باسم الدين أو باسم الجهاد، ولا يتحدث عن وطنه ليستمد منهم عطفهم ودموعهم، هو ناقم حقًا ولكن على من؟ إنه مع إعلانه في القصيدة بمسؤلية بني وطنه، لأنهم تفانوا في فتنة وحصلوا وحطبوا لنارها - مع ذلك كان شعره الداخلي يحدثه أن هنالك مسئولية أكبر تقع على عاتق المسلمين الذين تخلوا عن صقلية حين كانت في حاجة إلى نصير، ولكن عوامل نفسية من القوة لم تخل بينه وبن الإفصاح عن هذا الشعور، فذهب يتحدث عن غدر الصاحب وخيانته. وأكبر الظن أنه ليس هناك صاحب معين، وإنما ذلك رمز إلى كل المسلمين الذين تجاهلوا الأخوة الإسلامية والقرابة الدينية، وتركوا صقلية تعاني الموت وحدهها، وهو مندهش مستغرب من السلبية المطلقة التي واجه المسلمون بها ضياع وطنه، حيران في أمره وأمر المسلمين معه، وأقوى شيء يصور هذه الحيرة تساؤله الجازع " كيف لي بفكاكها من الأسر ".
لم يكن ابن حمديس يحمل بني وطنه مسئولية ضياعه، كما فعل بعض الشعراء الصقليين، لأنه كان يقدر دور الجهاد الذي قامت به سرقوسة ونوطس وقصريانة، فهو إذا تحدث عن الفتن بين قومه مر بها مرورًا سريعًا لأنه موضوع يكرهه ويراه مناقضًا لما يحس به حقيقة، ولعل الذي حمله على التعرض له في هذه القصيدة وقفته أمام تميم الذي حاول إنقاذ صقلية، وكانت فتنة صقليين من أسباب الإخفاق الذي منى به جيشه، وأحب من هذا الموضوع إليه أن يتحدث

1 / 249