العرب في صقلية
الناشر
دار الثقافة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٩٧٥
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
٥ - الطبيعة الريفية في شعره
ونظن أن ابن الخياط في حياته المدنية التي تقلبت به بين الأمراء لم يكن شاعرًا يعبر عن جمال الطبيعة الصقلية، ولكن تلك الطبيعة تسربت إلى نفسه وكمنت في أعماقها.
ومن ثم ترى أن غيره من الشعراء لم يقفوا عند الكروم ومروج القمح ولا عند الجبال والعيون. وابن الخياط لم يقف عندها كذلك ولكننا لأول مرة نقف عند شعر صقلي تتردد فيه مناظر العنب وقطفه، والسنابل الخضر والصخرة التي يتفجر منها الماء. فهو يصف الكرمة يقوله:
وكأن أقرطةً على قضبانها ... منظومةً سبجًا بها وعقيقا
وكأن قاطفها يميثُ بكفه ... من مائها بالزعفران خلوقا ويقول فيها أيضًا:
ملاحيةً بيضًا وسودًا حوالكًا ... وحمرًا وصفرًا ملبسات مجاسدَا
كأن على أيدي القواطف تحتها ... بما قنأت منها عروقًا مفاصدا وليس في هذه الأوصاف شيء يلفت النظر، وإنما الذي يستوقفنا هو موضوعها - وصف الكرمة - فإن الشعراء الآخرين تعلقوا بوصف الخمر دون العنب، أما هذا الشاعر فله التفاتة - أي التفاتة. إلى ما يملأ ربي وطنه.
وهو يقول في أبيات يتنجز بها عدة من انتصار الدولة:
وإن أولى نبات أن تثمرهُ ... صنيعةٌ أنت مولاها وموليها
فرُبها إنها سبعٌ سنابلها ... في حبة بارك الرحمن لي فيها
أودعتها في ثرى جعد فأبنتها ... مستأرضًا أرضها خضرًا أعاليها
فابعث وليًا وسميها مددًا ... إن الكتائب منصور تواليها
1 / 218