منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
تصانيف
في حِين اخْتَصَر السَّمَرْقَندي الْجَوَاب بِقَولِه: يَعْنِي: لا تُكْرِهُوا في الدِّين أحَدًا بَعْد فَتْح مَكَّة، وبَعْد إسْلام العَرَب. (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) يَعْنِي: قَدْ تَبَيَّن الْهُدَى مِنْ الضَّلالَة ويقال: قَدْ تَبيّن الإسْلام مِنْ الكُفْر، فَمَنْ أسْلَم وإلَّا وُضِعتْ عليه الْجِزْية، ولا يُكْرَه على الإسْلام (^١).
فهو لم يَذكر نَسْخًا في الآية، وإنما ذَكَر تَخْصِيصًا لِمَعْنَاهَا.
وأما السَّمعاني فَذَكَر قَول ابن عباس في سَبَب نُزُول الآيَة (^٢)، ونَقَل عن الشَّعبي قَوله: هَذا في أهْل الكِتَاب، لا يُجْبَرُون على الإسْلام إذا بَذَلُوا الْجِزْيَة. ثم قَال: وفِيه قَول ثَالِث: أنه كَان في الابْتِدَاء، ثم صَار مَنْسُوخًا بآيَة القِتَال (^٣).
وذَكَر الثعلبي أقوالًا في الآية، فَذَكَر قول مُجاهِد: وكان هذا قَبل أن يُؤمَر رَسول الله ﷺ بِقِتَال أهل الكِتَاب، ثم نُسِخ قوله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وأُمِر بِقِتَال أهْل الكِتَاب في سُورة بَراءة.
ثم قال الثعلبي: وهَكذا قَال ابن مسعود وابن زيد إنها مَنْسُوخَة بآيةِ السَّيف، وقَال البَاقُون: هي مُحْكَمَة (^٤).
"ومَعْنَى الآيَة: لا تَقُولُوا لِمَنْ دَخَل بعد الْحَرْب في الإسْلام أنه دَخَل مُكْرَها، ولا تَنْسِبُوا مَنْ (^٥) دَخَل في الإسْلام إلى الكُرْه" (^٦).
(^١) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ١٩٥). (^٢) تقدّم قول ابن عباس ﵄، وتقدم تخريجه. (^٣) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٢٦٠). (^٤) الكشف والبيان، مرجع سابق (٢/ ٢٣٤). (^٥) في المطبوع: (فَمَنْ) وهو خطأ فيما يظهر. (^٦) الكشف والبيان، مرجع سابق (٢/ ٢٣٦).
1 / 76