منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
تصانيف
المثال الرابع:
الإكْرَاه في الدِّين وقِتَال الكَافِرِين:
قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: ٢٥٦] مع قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة: ٧٣].
صورة التعارض:
أنَّ آيَة "البقرة" فِيها عَدم الإكْرَاه، وآيَة التَّوبَة فيها الإكْرَاه والإغْلاظ.
و"لأنَّ النَّبيَّ ﷺ قَدْ أكْرَه العَرب على دِين الإسْلام وقَاتَلَهم، ولم يَرضَ مِنهم إلَّا بالإسْلام" (^١).
جَمْع القرطبي:
قال القرطبي: اخْتَلَف العُلَمَاء في مَعْنَى هَذه الآيَة على سِتَّة أقْوال:
الأوَّل: قِيل: إنها مَنْسُوخَة؛ لأنَّ النبي ﷺ قد أكْرَه العَرَب على دِين الإسْلام، وقَاتَلهم ولَم يَرضَ مِنهم إلَّا بالإسْلام، قَاله سُليمان بن موسى. قَال نَسَخَتْها: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ) [التوبة: ٧٣]، ورُوي هَذا عَنْ ابنِ مَسعود وكَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِين.
الثَّاني: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَة، وإنما نَزَلَتْ في أهْل الكِتَاب خَاصَّة، وأنهم لا يُكْرَهُون على الإسْلام إذا أدَّوا الْجِزْية، والذين يُكْرَهُون أهل الأوْثَان، فلا يُقْبَل مِنْهم إلَّا الإسْلام، فَهُمْ الذين نَزَل فِيهم: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ) .... والْحُجَّة لهذا القَول مَا رَواه زَيد بن أسْلَم عن أبيه قال: سَمِعْتُ عُمر بن الخطاب يَقُول لِعَجُوز نَصْرَانِيَّة:
(^١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٣/ ٢٦٨). والمراد بالإكراه عدم قبول غير الإسلام، وقتالهم على ذلك. وسيأتي في تفسير الآية ما يُوضِّح المراد.
1 / 72