منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

عبد الرحمن السحيم ت. 1442 هجري
59

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

تصانيف

وقال الزمخشري في التَّربُّص سَنَة: وكَان ذَلك في أوَّل الإسْلام، ثم نُسِخَتْ الْمُدَّة بِقَوله: (أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة: ٢٣٤]. وقِيل: نُسِخَ مَا زَاد مِنه عَلى هَذا الْمِقْدَار، ونُسِخَتِ النَّفَقَة بالإرْث الذي هُو الرُّبُع والثُّمُن. ثُم قَال: فإن قُلْتَ: كَيْف نَسَخَتِ الآيَة الْمُتَقَدِّمَة الْمُتَأخِّرة؟ قُلت: قَدْ تَكُون الآيَة مُتَقَدِّمَة في التِّلاوَة وهي مُتَأخِّرَة في التَّنْزِيل، كَقَولِه تَعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ) [البقرة: ١٤٢]، مَع قَوله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) [البقرة: ١٤٤] (^١). وذَكَر ابن عطية مَعْنَى الآيَة، ورَجَّح أنَّ التَّرَبُّص لمُدّة سَنَة مَنْسُوخ، فَقَال: ومَعْنَى هَذه الآيَة أنَّ الرَّجُل إذا مَات كَان لِزَوْجَتِه أن تُقيم في مَنْزِله سَنَة ويُنْفَق عَليها مَنْ مَالِه، وذَلك وَصِيَّة لَها. واخْتَلَف العُلَمَاء مِمَّنْ هي هَذه الوَصِيَّة؟ فَقَالَت فِرْقة: كَانَتْ وَصِيَّة مِنْ اللهِ تَعالى تَجِب بَعْد وَفَاة الزَّوج … ثم نُسِخ مَا في هَذه الآيَة مِنْ النَّفَقة بالرُّبع أوْ بالثُّمُن الذي في سُورة النِّسَاء، ونُسِخ سُكْنَى الْحَول بالأرْبَعَة الأشْهُر والعَشْر (^٢). أما الرازي فقد ذَكَر أنَّ "في هَذه الآيَة ثَلاثَة أقْوَال: الأوَّل - وهو اخْتِيَار جُمْهُور الْمُفَسِّرِين -: أنَّهَا مَنْسُوخَة. القَول الثَّاني - وهو قَول مُجَاهِد -: أنَّ الله تعالى أنْزَل في عِدَّة الْمُتَوفَّى عَنها زَوْجها آيَتَين: أحَدُهما: ما تَقَدَّم، وهو قَوله: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة: ٢٣٤]، والأخْرَى هَذه الآيَة، فَوَجَب تنْزيل هَاتَين الآيَتَين عَلى حَالَتَين؛ فَنَقُول: إنَّهَا إن لَم تَخْتَر السُّكْنى في دَار زَوْجِها، ولَم تأخُذ النَّفَقَة مِنْ مَالِ زَوْجِها كَانَتْ عِدّتها أرْبَعَة أشْهُر وعَشْرا، عَلى مَا في تِلك الآيَة الْمُتَقَدِّمَة، وأمَّا إن اخْتَارَتْ السُّكْنَى في دار

(^١) الكشاف، مرجع سابق (ص ١٤٠). (^٢) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٣٢٦).

1 / 59