25

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

تصانيف

وقال بإثْبَات مَعاني الصِّفَات، حيث يَقُول: وثَبَت بِنَصّ هذه الآيَة (^١) القُوَّة لله بِخِلاف قَوْل الْمُعْتَزِلة في نَفْيِهم مَعَانِي الصِّفَات القَدِيمة (^٢)، تَعَالى الله عن قَوْلِهم (^٣). فليس يَصِحّ أن يُقَال عنه: "لَم يُثْبِت لله سِوَى الصِّفَات السَّبْع" (^٤). كَمَا أنَّ القَوْل بأنَّ القرطبي في "الأسْمَاء والصِّفَات … قد ذَهَب إلى مَا ذَهَب إليه الأشاعرة في هذا البَاب، فَجَمِيع الصِّفَات الوَارِدَة في تَفْسِيرِه أوَّلَها، ونَقَل أقْوَال الْمُؤوِّلَة فيها، إلَّا الاسْتِوَاء" (^٥) ليس قَوْلًا فاحِصًا، ولا مُنْصِفًا. وقد تأوَّل القرطبي بَعض صِفَات الله ﷿، تأثُّرًا بِمَدْرَسَة الأشاعِرَة، وليس أشْعَرِيًّا، وقد تأثَّر القرطبي كَثيرًا بِابن عطِيَّة، إلَّا أنه لَم يَكُنْ مُقَلِّدًا له. "والقرطبي كان مُتَأوِّلًا، وإن خَالَف ابن عطية في بعض الْمَعَانِي الْمُؤوَّل إليها" (^٦). ومِمَّا تأوَّله القرطبي مِنْ صِفَات البَارِي ﷿: صِفَة الوَجْه، تَأوَّلَها بالوُجُود، إذ يَقُول: "فَالوَجْه عِبَارَة عن وُجُودِه وذَاتِه سُبْحَانه" (^٧)، بينما أثْبَت صِفَة الوَجْه لله ﵎ في مَوَاضِع أُخْرَى (^٨). وسيأتي مَزِيد بَيَان في الفَصْل الثَّالِث. وصِفَة الْمَجيء، إذ يَقول في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) [البقرة: ٢٩]: والقَاعِدَة في هَذه الآيَة ونَحْوها مَنْع الْحَرَكَة والنُّقْلَة (^٩).

(^١) يعني قوله تعالى: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [البقرة: ١٦٥]. (^٢) انظر: العلو للعَلِي العظيم، مرجع سابق (ص ٢٤٣). (^٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٢/ ٢٠١). (^٤) هذا ما قاله أحمد المزيد. انظر: منهج الإمام القرطبي في أصول الدِّين، رسالة ماجستير (ص ١١٥). (^٥) من قول المغرَّاوي في "الْمُفسِّرُون بين التأويل والإثْبَات في الصِّفَات" (١/ ٢٨٩). (^٦) المدرسة الأندلسيَّة في التفسير، مرجع سابق (٢/ ٦٤٣). (^٧) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٧/ ١٤٣). (^٨) انظر: المرجع السابق (١٧/ ٢٢)، (١٧/ ١٦٧). (^٩) المرجع السابق (١/ ٢٩٦).

1 / 25