منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
تصانيف
جَمع القرطبي:
قال القرطبي:
وقال جَمَاعة مِنْ أهْل الْمَعَاني - منهم الضَّحَّاك والفَرَّاء - في قوله تعالى: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) على التَّقْدِيم والتَّأخِير؛ لأنَّ الواو لا تُوجِب الرُّتْبَة، والْمَعْنى: إني رَافِعُك إليَّ ومُطَهِّرك مِنْ الذِين كَفَرُوا ومُتَوفِّيك بعد أن تَنْزِل مِنْ السَّمَاء، كَقوله: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه: ١٠٩]، والتَّقْدِير: ولَولا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبِّك وأجَل مُسَمّى لَكَانِ لِزَامًا. قال الشاعر:
ألا يا نَخْلَة مِنْ ذَات عِرق عليكِ ورَحمة الله السَّلام
أي: عليك السَّلام ورحمة الله.
وقال الْحَسَن وابن جريج: معنى (مُتَوَفِّيكَ) قَابِضُك ورَافِعُك إلى السَّمَاء مِنْ غَيْر مَوت، مثل: تَوفَّيتُ مَالِي مِنْ فُلان: أي قَبَضْته.
وقال وَه بن مُنَبِّه: تَوَفَّى الله عِيسى ﵇ ثَلاث سَاعَات مِنْ نَهَار، ثم رَفَعَه إلى السَّمَاء. وهذا فيه بُعْد، فإنه صَحّ في الأخْبَار عن النبي ﷺ نُزولُه وقَتْلُه الدَّجال (^١) ......
وقال ابن زيد: (مُتَوَفِّيكَ) قَابِضُك، ومُتَوَفِّيك ورَافِعُك واحِد، ولم يَمُتْ بَعْد.
ورَوى ابن طلحة (^٢) عن ابن عباس: معنى (مُتَوَفِّيكَ) مُمِيتُك. الرَّبِيع بن أنس: وهي وَفَاة نَوم. قال الله تعالى: ٠ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام: ٦٠] أي: يُنِيمكم، لأنَّ
(^١) يَعني في آخر الزمان، كما في الصحيحين: البخاري (ح ٢١٠٩)، ومسلم (ح ١٥٥). (^٢) هكذا في المطبوع، وهو عليّ بن أبي طلحة، كما في "جامع البيان" (٥/ ٤٥٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٦٦١)، وقَول ابنِ عَباس هذا عَلَّقَه البخاري (٤/ ١٦٩٠).
1 / 143