منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
تصانيف
ثم أشَار إلى مَا قِيل في قَوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) حيث قال: قال بعضهم: "مَا" للنَّفْي، فَكَأنه يَقول: ولم يُنْزِل على الْمَلَكَين السِّحْر (^١).
وذَكَر السَّمعاني القَولين في الآية، ورَجَّح مَا رَجَّحَه ابن جرير، فقال: قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) قُرِئ على النَّفْي، وهو مَحْكِيّ عن عَطية بن عوف. فَعَلَى هذا في الآية تَقْدِيم وتَأخِير، تَقْدِيره: ومَا كَفَرَ سُلَيمَان ومَا أُنْزِل على الْمَلَكَين بِبَابِل هَارُوت ومَارُوت، ولكِنَّ الشَّياطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُون النَّاس السِّحْر ومَا يُعَلِّمَان مِنْ أحَد. وهَذا قَول غَريب. والصحيح أن "ما" بمعنى "الذي" يَعني: والذي أُنْزِل على الْمَلَكَين (^٢).
وكذلك قال الثعلبي، فإنه ذَكَر القولين، ثم رجَّح ما رجَّحه ابن جرير والسمعاني قبلَه (^٣).
وهذا القَول هو الذي رَجَّحه البغوي أيضًا، فإنه قال: فإن قيل: كيف يَجُوز تَعْلِيم السِّحْر مِنْ الْمَلائكَة؟ قيل: له تأويلان:
أحَدُهما: أنهما لا يَتَعَمّدان التَّعْلِيم لَكِن يَصِفَان السِّحْر، ويَذْكُران بُطْلانِه، ويأمُرَان باجْتِنَابِه. والتَّعْلِيم بِمَعْنى الإعْلام، فالشَّقِي يَتْرُك نَصِيحَتهما ويَتَعَلَّم السِّحْر مِنْ صَنْعَتهما.
(^١) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ١٠٦). (^٢) تفسير القرآن، مرجع سابق ١/ ١١٦). (^٣) الكشف والبيان، مرجع سابق (١/ ٢٤٥).
1 / 136