فكرة الإفريقية الآسيوية
محقق
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
الناشر
دار الفكر
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
مكان النشر
دمشق سورية
تصانيف
وربما كان هذا الفصل أو التميز أقل وضوحًا، إذا لم نضع المناقشة في الإطار الثقافي الغربي حيث يصبح تعبير (النجاح الصناعي) مقصودًا به (النجاح) في كل شيء، وحيث ترد المشكلة الإنسانية إلى مبادئ ميكانيكية تأخذ صفة مقاييس، والواقع أنه من الصعب أن نهرب من سيطرة الوهم الميكانيكي في هذا الإطار، فلقد رأينا أثر هذه السيطرة في بعض المناقشات الحديثة في الغرب، مثلًا بمناسبة الدراسة التي نشرتها اليونسكو ضد العنصرية بعنوان (الجنس والتاريخ) للكاتب كلود ليفي ستروس (Claud Levi Strauss)، عام ١٩٥٢م، فإن هذه الدراسة لم تعدم أن تثير بعض التعقيبات؛ وخاصة تلك التي كان كاتبها يؤكد فيها أن سيطرة الغرب الصناعية إنما تعتمد بكل تأكيد على سيطرة قيمه الخلقية.
ويمكن تفسير هذا الوهم كما يفسر الخطأ النسبي الذي يقع فيه من يرى حركة، وهو راكب في جهاز يتحرك أيضًا، فهو يرى حركة نسبية يحاول أن يصدر عليها حكمًا مطلقًا. والعقل الغربي وثيق الصلة بنظامه الثقافي، فمن الصعب عليه أن يتخلص من الوهم الميكانيكي، أي من صلته بهذا النظام، حتى يصدر عليه الحكم الصحيح.
فهو أسير العبقرية الصناعية، ما دام يطبق نتائجها هذه، على المجال الأخلاقي، بحيث ينسب النجاح المادي إلى فضيلة خلقية.
وعلى كل حال، فإن مما يزيد الوهم أن للوسط الغربي فضائل خلقية جميلة؛ شهد بها (غاندي) أكثر من مرة؛ ولكن هذه الفضائل ليست سوى فضائل داخلية أنانية لا إشعاع لها. والعقل الغربي- وخاصة في التعقيب على نظرية كلود ليفي ستروس- لا يجعل في اعتباره هذا الوضع الخاص، لأنه- هو نفسه - ذاتي، أناني من الوجهة الأخلاقية. فالفضيلة الغربية لا وجود لها بالنسبة إلى العالم، لأنها لا تشع على عالم الآخرين. والغربي لا يحمل فضائله خارج عالمه- هو- فخارج حدوده الأوروبية لا يكون إنسانًا؛ بل أوروبيًا، وهو لا يرى بعد
1 / 43