ثم ذكر بناء الملائكة الكعبة قبل خلق آدم ومبتدأ الطواف كيف كان وزيارة الملائكة للكعبة ... إلخ.
وكل هذه الأخبار المخالفة للمعقول وللتاريخ الصحيح لم يروها إلا رواة ضعاف الحجة مثل كعب الأحبار ومجاهد وأبي الوليد وابن عباس، وكلهم مطعون في روايتهم التي رووها بغير تبصر؛ لأنها ملفقة وموضوعة لتعظيم الشأن والإرهاص والمبالغة .
وقد ألف في تاريخ مكة بعض مشاهير الإفرنج أمثال كوسان دي برسيفال؛ وويلها وزن وسنوك هير جرونجيه الذي أقام فيها حوالي سبع عشرة سنة، وأفرد لها ليون كايتاني فصلا قبل كلامه على أجداد النبي الأقربين، وهم: عبد المطلب، وهاشم، وعبد مناف، وكلاب، وقصي
13 (ص90، نبذة 62) ويرى هؤلاء المؤلفون أن إله الكعبة الأعظم كان هبل، ويتلو هذا الوثن في الشأن الحجر الأسود، وكان أحد أربعة من لونه، في كل زاوية من البناء حجر منها ولكنه وحده بقي محفوظا «حجر الركن»، وهو الذي حلت به قداسة الأحجار الثلاثة. قال أبو الفداء: «هبل أعظم الأصنام كلها في بر الحجاز، وكانت صورته على ظهر الكعبة.» وقال روبرتسون سميث (ص303-304): إن الحجر الأسود والحجر اليماني (الركن اليماني) يمثلان هبل والعزى. ونسي أن هناك أربعة أركان: الركن الأسود، والركن الشامي، والركن اليماني، والركن الغربي.
وفي ابن إسحاق والأزرقي إن عمرو بن لحي هو أول من أدخل الأصنام، وأنه أحضر «هبل» من مدينة حت أو هت من العراق. ويشك ويلهاوزن في هذه الرواية ونسبتها لابن إسحاق؛ لأن ابن هشام لم ينقلها عنه، ويرد عليه بأن الطبري نقل كثيرا عن ابن إسحاق مما لم ينقله ابن هشام؛ لأنه انشغل من أخبار العرب بالسيرة النبوية، ولم يعن بما عداها مما ورد في ابن إسحاق من أخبار مكة والكعبة قبل الإسلام.
إن الذي بنى الكعبة وفقا لنص القرآن هو إبراهيم وابنه إسماعيل، فقد قال:
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل .
وتلقى إبراهيم مناسك الحج من ربه بالوحي الملكي عن جبريل
14
وأهم هذه المناسك الطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة والمزدلفة ووادي منى. وتلك المناسك أثبتتها السنة وحفظها المسلمون؛ لأنهم يقومون بها في كل عام، وقد وصفها العرب والإفرنج؛ أمثال: بوركهارت (ألماني)، وشارل بيرتون (إنجليزي)، وبعض المؤرخين المصريين الذين ألفوا في وصف رحلتهم إلى الحجاز.
صفحة غير معروفة