ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله

محمد لطفي جمعة ت. 1373 هجري
128

ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله

تصانيف

هذه صورة كما ترون مادية حسية لم تتناول المرأة إلا عن طريق الحواس؛ لمسا ليدها الرخصة الناعمة، ونظرا إلى وجهها المشرق الوضاء، وشما لشذاها العبق، وتذوقا لريقها العذب، وتسمعا لصوتها الرخيم، فإذا استنفد الشاعر الجاهلي حواسه الخمس فقد استنفد مجال الوصف في محبوبته ... ولا نكاد نرى شاعرا منهم قد تعمق وراء ذلك فوصف لنا نفسية تلك المرأة، أو ثقافتها أو آمالها وآلامها! على أن هذه النزعة الحسية لم تكن مقصورة على غزل الجاهليين، بل كانت عامة في جميع شعرهم؛ فهو في جملته شعر مادي حاسي، يستمد من الحواس صوره وأخيلته، ويعكس الصورة الفطرية التي كانوا يعيشونها في أحضان الصحراء قبل أن ينبثق عليهم نور الإسلام. ولنستمع الآن إلى بعض هؤلاء الشعراء حين يصفون هذه المرأة؛ ففي قوامها وطولها يقول الأعشى - وهو أعشى قيس، وقد هلك مشركا:

غراء فرعاء مصقول عوارضها

تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

كأن مشيتها من بيت جارتها

مر السحابة لا ريث ولا عجل

ويراها النابغة كاملة الخلق مشربة البياض مصفرة كالغصن الطويل المتأود، وهذا الوصف منتزع من الطبيعة كعاداتهم :

صفراء كالسيراء أكمل خلقها

كالغصن في غلوائه المتأود

أما إشراق محياها فقد كان موضع مباراتهم في الوصف؛ فهي تضيء الظلام بنورها لامرئ القيس «كأنها منارة راهب متبتل»:

تضيء الظلام بالعشاء كأنها

صفحة غير معروفة