عند وفاة ماو في عام 1976، كانت جيانج تشينج وحلفاؤها يقفون على قاعدة سياسية في غاية الضيق؛ فعلى قدر قوة الثقافة، فإن قوتها لا تتكشف إلا على المدى الطويل؛ فلا يمكنها أن تتفوق على مصانع الصلب أو الجنود في أية مواجهة، ومن ثم قام دنج شياو بينج بجمع تقارير من الفنانين المحبطين، ثم استخدمها لمحاولة تقويض دعم ماو لجيانج تشينج.
كانت التحديات التي فرضتها الفنون الماوية على الثقافة الصينية ضخمة، ولكن هذه القضايا الفنية كانت أكثر اختلافا عن كونها مجرد قضية هدم مقابل وقاية. أيضا لم تختزل الانقسامات إلى صراع بين الحزب الشيوعي والفنانين، فكلاهما سقط معا، وكلاهما عاد معا. لقد كانت الثورة الثقافية أداة هدم وإحياء على حد سواء، ونهايتها لم تضمن عصرا من الحرية الفنية.
بالنظر إلى الوراء، نجد أن الثورة الثقافية قد بنيت على برنامج قوي قائم للتحديث الجذري لحركة الرابع من مايو، بما يحمله من رفض لعبء القيم «الإقطاعية» الثقيل. غير أن الثورة الثقافية أيضا نبذت التغريب الكامل المؤيد من جانب نشطاء الرابع من مايو الأكثر تطرفا، بل قام الماويون، بدلا من ذلك، بتنمية قومية صينية مدعمة بالتقنيات الغربية.
وبالنظر إلى المستقبل، نجد أن الثورة الثقافية قد صنعت جمهورا ثقافيا متجانسا، شحذ برسائل وعظية، وتشكل لاستبعاد أدوار تروق بشكل أساسي لمنطقة، أو طبقة، أو عرق. وقد أصبح ذلك فيما بعد سوقا تجارية واسعة للترفيه، مما يعد استكمالا للسعي إلى التجديد التقني تحت راية التحديث. والأهم من ذلك أن الثورة الثقافية كانت ضربة موجهة لتحطيم الدور المميز للنخبة المثقفة في الحياة السياسية، وجاءت مطرقة السوقنة التي لا ترحم لتضعف مكانتهم أكثر. حتى ضغط الثوار الثقافيين على الفنون الأدائية يظهر الآن كجزء من اتجاه عالمي أطول، تقلص بفعله دور المثقف المتحضر، من خلال التوجيه السياسي أولا، ثم لامبالاة السوق.
هوامش
الفصل الرابع
اقتصاد «الاعتماد على النفس»
كان «الاعتماد على النفس» هو الشعار المرشد لاقتصاد الصين خلال الثورة الثقافية، مما يعكس عزلة الصين كدولة ورغبات الماويين في استبدال العمالة البشرية الوفيرة برأس المال النادر كاستراتيجية للتنمية الاقتصادية. لقد كان الاقتصاد يتقدم بشكل أفضل مما اعترف به الإصلاحيون في حقبة ما بعد ماو، ولكنه لم يعمل وفقا لأنماط تنموية روتينية؛ فقد كان معدل دخول الصينيين منخفضا، ولكنهم حظوا بمستوى ثقافي ومتوسطات أعمار أعلى كثيرا مما يوحي به مثل هذا المستوى من الفقر في العادة. فقد ارتبط الاعتماد على النفس للصين بتزمت أيديولوجي للحد من الاستهلاك الفردي في سبيل الاستثمار العام. في البداية تسببت الثورة الثقافية في تعطيل الاقتصاد، ولكن النظام عاد إلى مدن الصين بعد عام 1968، مع إرسال ملايين من أفراد الحرس الأحمر للعمل في الريف ، الذي لا يزال موطنا ل 80 بالمائة من السكان. وعلى الرغم من نمو الاقتصاد بشكل كبير، ظلت الفجوة بين المدينة والريف محل إشكالية. فقد كانت الثورة الثقافية هتاف تشجيع أخيرا للمبادرات الاقتصادية الماوية المتميزة. غير أن الاستثمار الماوي في البنية التحتية ورأس المال البشري وفر أساسا لا غنى عنه للانفتاح الاقتصادي اللاحق للصين على العالم الخارجي. (1) الفقر والنمو الاقتصادي
كانت الصين دولة فقيرة؛ فكان معدل دخل الفرد الواحد 859 دولارا بقيمة الدولار في 2010، غير أنه كان متساويا نسبيا؛ فقد قللت الثورة من الفروق في الثروات من خلال القضاء على الطبقات التي كانت تعيش في بذخ وترف شديدين، فانتزعت الملكيات من ملاك الأراضي القرويين من خلال قانون الإصلاح الزراعي، وأضعفت المؤسسات العائلية الممتدة التي عززت نفوذها بشكل هائل، وفقد أصحاب رأس المال الخاص سيطرتهم على أصولهم خلال حركة تأميم للملكيات قامت في عام 1956، على الرغم من أن الحكومة قد استمرت في دفع سندات أصدرت على سبيل التعويض.
عززت الثورة الثقافية من مبدأ المساواة. وما كانت هجمات الحرس الأحمر على أساليب الحياة «البرجوازية» سوى مجرد تأكيد على سياسات حكومية قائمة. وقد خلقت القيود المتكررة على الشركات الصغيرة نقصا حادا في السلع الاستهلاكية للجميع. وفي عام 1952 كان لدى الصين مطعم واحد لكل 676 شخصا؛ وبحلول عام 1978 كان هناك مطعم واحد لكل 8189 شخصا. وكانت القسائم التموينية أساسية لشراء الملابس القطنية، والحبوب، واللحم، والسمك، وزيت الطهي، والبيض، وهو ما كان محبطا للبعض، إلا أنه كان يعوق تخزين السلع التموينية ويضمن توزيعا أكثر مساواة للسلع النادرة. وحلت المكانة البيروقراطية محل الثروة في تسهيل الوصول إلى السلع والخدمات. ولكن فيما عدا الرفاهيات التي لم يكن يحظى بها سوى صفوة القادة، كان نطاق الامتيازات الرسمية محدودا.
صفحة غير معروفة