فأومأ علي بذقنه نحو ليلى زيدان قائلا: عند وزارة الخارجية. - ولكنني سمعت أنباء مذهلة حقا.
فقال أنيس ساخرا: لا توجعوا رءوسنا، ما أكثر ما نسمع! ولكن ها هي الدنيا باقية كما كانت، ولا شيء يحدث على الإطلاق.
فقال مصطفى راشد محركا تفاحة آدم: وفضلا عن ذلك فإن الدنيا لا تهمنا كما أننا لا نهم الدنيا في شيء.
فقال أنيس زكي: ما دامت الجوزة دائرة، فماذا يهمكم؟
فرمقه خالد بإعجاب قائلا: خذوا الحكمة من أفواه المساطيل. - اسمعوا ما حصل لي اليوم مع المدير العام.
وأثارت حكاية قلمه عاصفة من الضحك حتى علق عليها علي السيد قائلا: بمثل ذلك القلم تدون معاهدات السلام.
واصلت الجوزة دورانها المنغوم المشتعل، وانعقدت هالة من الهاموش حول مصباح النيون، أما خارج الشرفة فقد استقرت الظلمة واختفى النيل إلا أشكالا هندسية منتظمة وغير منتظمة تعكسها مصابيح الطريق في الشاطئ الآخر، ونوافذ العوامات المضاءة. وتجلت صلعة المدير العام كظهر قارب مقلوب في قبضة الظلام. ووضح تماما أنه من سلالة الهكسوس، فوجب أن يرتد إلى الصحراء. وأسوأ ما يمكن أن تتوقع هو أن تنتهي السهرة كما انتهى شباب ليلى زيدان الأول، وكالرماد الزاحف على جواهر الجمرات. ومن يا ترى الرجل الذي قال: إن الثورات يدبرها الدهاة، وينفذها الشجعان، ثم يكسبها الجبناء؟
وجاء عم عبده فأخذ الجوزة ليغير ماءها، ثم أعادها وذهب دون أن ينبس. وخلع خالد نظارته المذهبة فمسحها وهو ينوه بإعجابه بالرجل العجوز. وخرج أحمد نصر عن صمته المألوف قائلا: إنه من نسل الديناصور!
فقال مصطفى راشد: لنحمد الله على أنه في أرذل العمر، وإلا ما ترك لنا امرأة لنهنأ بها.
وأعاد أنيس على أسماعهم الحديث الذي دار بينه وبين الرجل ظهر اليوم، فقال علي السيد: إن العالم في حاجة إلى رجل في عملاقيته لتستقر سياسته.
صفحة غير معروفة