{وجاء بكم من البدو} وجمع بين الخروج من السجن والانتقال من البدوا في أن ذلك إحسان ونعمة، وذلك لما كان أحوال البادية يلحق أهلها قصور، وكانوا أهل ماشية، وفي الحديث عنه : ((من بدا فقد جفا)) أي : من حل البادية، ويروى لجرير:
أرض الفلاحة لو أتاها جرول
أعنى الحطيئة لاغتدى حراثا
ما جئتها من أي : وجه جئتها
إلا حسبت بيوتها أجداثا
وأهل البوادي فيهم الجهل والقسوة.
وفي الحديث عنه -عليه السلام-: ((إن الجفاء والقسوة في الفدادين)) وقد تقدم ما قيل في قوله تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} وقال تعالى: {من أهل القرى}.
وعن الحسن: ما بعث الله نبيا من البادية، ولا من الجن، ولا من النساء، ففي هذا دليل على حسن النقلة عن البوادي إلى القرى.
قوله تعالى:
{توفني مسلما وألحقني بالصالحين}
اختلف المفسرون هل هذا من يوسف صلى الله عليه تمن للموت أم لا؟
فقيل: ليس ذلك بتمن للموت، بل التمني يعلق بأن يتم إسلامه إلى موته فيموت على الإسلام، كما قال يعقوب لبنيه: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
وقيل: بل ذلك كان تمنيا للموت.
وروي :أن ميمون بن مهران بات عند عمر بن عبد العزيز فرآه كثير البكاء والمسألة للموت فقال له: صنع الله على يديك خيرا كثيرا، أحييت سننا، وأمت بدعا، وفي حياتك خير وراحة المسلمين، قال: أفلا أكون العبد الصالح لما أقر الله عينه وجمع له أمره قال: توفني مسلما والحقني بالصالحين.
قال النواوي في الأذكار: يكره أن يتمنى الموت لضر نزل به، لما رواه البخاري ومسلم عنه : ((لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي)).
قال النواوي: وذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم هذا إذا تمنى لضر نزل به، أما لو تمنى الموت خوفا على دينه لم يكره، وقد تقدم ذكر هذا الحكم.
صفحة ٩٣