أن الفقر والمهن الدنيئة لا يكون ذلك نقصا في الدين.
وجه الاستدلال: أن الله تعالى حكى كلام الرؤساء من قوم نوح - عليه السلام-، والمراد الذم لهم؛ باعتقادهم لنقص من سموهم الأراذل، وأنهم أخطأوا فيما اعتقدوه : أن ذلك نقيصة في النبوة، بل هو مما يليق بالأنبياء ؛ لأنهم بعثوا مرغبين في الآخرة، ومزهدين في الدنيا،
وقد ذكر العلماء خلافا في أخذ الأجرة على الحجامة.
قال القاسم - عليه السلام-: إن ذلك مباح، وكرهه الشافعي، وحرمه بعض أهل الحديث، ولعل هذا لأمر آخر لا لكونه نقص في الدين،
ويتفرع على هذا: المنع من الكفاءة بالمهر [ بالمهن ]الدنيئة على قول، ورد الشهادة على قول، وهذا لا يدل أنه نقص في الدين، كما أن الرق يمنع من ذلك على اختلاف العلماء، وليس بنقص في الدين.
قوله تعالى:
{وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون}.
ثمرة ذلك:
وجوب تعظيم المؤمن، وتحريم الاستخفاف به وإن كان فقيرا عادما للجاه، متعلقا بالحرف الوضيعة؛ لأنه تعالى حكى كلام نوح -عليه السلام- وتجهيله للرؤساء لما طلبوه طرد من عدوه من الأراذل، وهي نظير قوله تعالى في سورة الأنعام: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي}.
قوله تعالى:
{ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}.
قال الحاكم: في ذلك دلالة على أنه لا يجوز الدعاء بإخلاف الموعود.
قال أبو علي: ويدل على أنه لا يحسن الدعاء بما علم أن الله تعالى لا يفعله.
قوله تعالى:
{وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها}
في ذلك وجوه للمفسرين:
الأول: أنه أمرهم بالركوب، وبأن يسموا الله تعالى عند الإجراء والإرساء، فيكون في ذلك دليل على أن التسمية مشروعة عند ابتداء الأفعال، والإرساء أفعال تصدر منهم.
صفحة ٥٦