قال الحاكم: ولأنه لا يستغفر إلا بإذن، قال: ولأنا قد بينا ما يدل أن أبا طالب مات مسلما.
وقيل: إنه لما افتتح مكة زار قبر أمه بالأبواء ، ثم قام مستعبرا فقال: ((إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي)).
وقيل: استغفر لأبيه، وقيل: قال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا وقرابتنا، وقد استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت، وقد دلت على تحريم الاستغفار للمشرك بعد أن ظهر شركه، وجوازه قبل ظهور الشرك على الظاهر.
قال الحاكم: ولا خلاف في تحريمه شرعا.
قال أبو هاشم: ويجوز عقلا.
وقال أبو علي: لا يجوز.
وأما استغفار إبراهيم صلى الله عليه لآبيه أزر.
فقيل: إن أزر وعد إبراهيم أن يتوب فقال إبراهيم: اللهم اغفر لأبي، وفاء بما وعد.
وقيل: الواعد إبراهيم وعد أباه آزر أن يستغفر له، هذا يوافق قراءة الحسن، وعدها أباه بواحدة من أسفل وكان ذلك مع ترجيه لإسلامه.
قال جار الله: ويجوز أن يظن أنه ما دام يرجى منه الإسلام جاز الاستغفار له على أن امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي؛ لأن العقل يجوز أن الله يغفر له، ألا ترى إلى قوله لعمه: (( لأستغفرن لك ما لم أنه)).
وعن الحسن :قيل: لرسول الله إن فلانا يستغفر لآبائه المشركين، فقال: ((ونحن نستغفر لهم)) فنزلت.
وفي هذه الحكايا من بكاء النبي حين زار قبر أمه، ورقة إبراهيم في أن وعد أباه بالاستغفار :دلالة على جواز ذلك، فإنه ليس بموالاة.
وفي حديث قتل عتبة بن عبد شمس يوم بدر أن ابنه أبا حذيفة وكان مسلما لما قتل أبوه ,وأخوه ورآهم يجرون بأرجلهما ليطرحا في القليب مع القتلى أنه تغير وجه أبي حذيفة فقال : ((مالك؟)) فقال: كنت أحب أن يموت أبي على الإسلام، ولم ينكره .
قوله تعالى:
{إن إبراهيم لأواه حليم}
الأواه من التأوه والحزن، قال الشاعر (1) :
إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
صفحة ٤٥