ومن اعتبر الغنى الشرعي، اختلفوا:فالذي نص عليه الهادي -عليه السلام- : أنه لا يجوز، وهو قول أحمد بن عيسى والحسن بن زياد، والوجه أن يملك الصدقة صادف حال الغنى.
وقال القاسم والمؤيد بالله: يجوز، وهو قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأن حال الملك حال الفقر، ويقال في التحقيق: علة الملك هي الفقر وعلة الغنى هي الملك يظهر بذلك ترجيح قول القاسم والمؤيد بالله لأنه ملك أولا وبعد الملك حكم عليه بالغنى .
وإن نظرنا إلى أن الإباحة تعلقت بقدر الحاجة والزائد ممنوع فأشبه قول القائل أعط زيدا درهما فأعطى درهمين ظهر ترجيح قول الهادي.
وفي سنن أبي داود أنه ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة، وهو يحتمل أن يناسب قول الشافعي أنه يأخذ قدر الحاجة، والله أعلم.
ومنها: إذا كان فقيرا وجوزنا له أن يأخذ دون النصاب من الزكاة أو النصاب أو قدر الحاجة هل له أن يتنعم فينفق في اليوم من أكل الملاذ، واستعمال الأطياب ونحو ذلك كما ينفق في الشهر؟ وهل له أن يصل بالصلات المباحة من أحب، ويأخذ جميع ذلك من الزكاة، أو يحرج عليه في ذلك ؟ فيقال: يقسط على نفسه ما يليق بالفقراء.
وجواب ذلك أن في حديث بريرة دلالة على الجواز؛ لأنها أهدت الصدقة للنبي ، وفي حديث لعائشة فقال : ((هي لها صدقة ولنا هدية)).
وروي في صحيح مسلم بالإسناد إلى أم عطية قالت :بعث إلى رسول الله بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشيء، فلما جاء رسول الله إلى عائشة فقال: ((هل عندكم شيء))؟ فقالت: لا إلا ما جاء إلينا من هذه الشاة، فقال: ((إنها قد بلغت محلها)).
ومنها: إذا ملك دون النصاب فنقله إلى غيره ليتملك أكثر ففي ذلك كلام للفقهاء: فقال المؤيد بالله: إن فاعل ذلك ينكر عليه.
قال في حواشي الإفادة: هذا إن فعله للمكاثرة لا لأخذ الكفاية إلى وقت الدخل، واقتطاف المنع من علة استحقاق الفقير للزكاة، وذلك دفع الخلة والحاجة.
وأما ما يفيده لفظ الفقراء:- فاعلم أن هذا لفظ عام يدخل فيه كل فقير، وما خرج فبمخصص،وفي هذا مسائل:
صفحة ١٤